الذوق العربي في جمال المرأة أقرب إلى الفطرة من الذوق الغربي، وأقرب إلى تعريف الجمال الذي هو (التناسق)، فقد بالغ الغرب في اعتبار (الهزال) مقياساً للجمال، حتى صارت عارضات الأزياء والمتقدمات لمسابقات ملكات الجمال في غاية الهزال مستقيمات الأجساد بدون بروزات متناسقة، فالواحدة منهن أصلح ما تكون للدلالة على وقوع مجاعة منها للدلالة على الجمال.. بينما الذوق العربي - بالفصيح والشعبي - يفضل المرأة ذات الأنوثة المتناسقة، فهي نحيلة الخصر، مليئة الحوض والصدر، لا هي بالقصيرة القميئة، ولا الطويلة المخيفة، وقد لخص كل هذا الشاعر الموهوب كعب بن زهير في قصيدته المشهورة (بانت سعاد) لخصه في بيت واحد حين قال: «هيفاءُ مُقْبِلةً عجزاءُ مُدْبِرةً لا يُشتكى قِصَرٌ منها ولا طولُ» أما الغربيون - أو الإعلام الغربي بشكل أدق - فيصور المرأة الجميلة نحيلة مدبرة مقبلة! وقريب من بيت كعب بن زهير المشهور، الكثير من أشعارنا الشعبية، كقول ابن لعبون: «ضحوك اللّمى مدمجة الساق كالقنا هضوم الحشا مرتجع الأرداف مهيافِ» ولابن سبيل: «الجادل اللي مايقٍ في تمدريه ذعذع هواه وضاحك له زمانه» فوصف قوامها بأنه انثوي مجدول.. وقال إبراهيم بن جعيثن: «لا طول لا قصر بمشيه ركوده ملهوف لاعج مثانيه ورغاب» وقال راشد الخلاوي: «هفا لها خصر وردف يتلّها كما طعس رملٍ لبّدته رشاشْ» وقال سليمان بن عبدالله الطويل: «والردف طعس زامي ما وطي به غِبّ المطرش العصير سطعت به» ويصف محمد بن عبدالله القاضي جمال محبوبته فيقول: «يا مجهجل العنق يا راعِ الردوف الجل يا صخيف الوسط يا زين التعزال» هركولة مثل دعص الرمل اسفلها مكسوة من جمال الحسن جلبابا (الأعشى) ومعنى (مجهجل) طويل شامخ، وصف جيدها بالطول وهو من الذوق العربي في جمال المرأة، تقول العرب في الكناية عن المرأة الطويلة الجيد: «بعيدةُ مهوى القرط» ومعنى (يا زَيْنَ التعزال) أي يا زين المشي، فالتعزال تثني أنثوي لا تتكلفه المرأة الجميلة بل هو فيها طبيعة.. ويلتقي الشعر الشعبي الأصيل مع شعرنا القديم في المعاني والصور، قال الأعشى: «هركولة مثل دعص الرمل أسفلها مكسوة من جمال الحسن جلبابا رعبوبة فنف خمصانة ردح قد أُشِربت مثل ماءِ الدُّرِ إشرابا» فهو يصف مواضع منها بالبروز وأخرى بالضمور، والهركولة هي الممتلئة نسبياً، ولكنها نحيفة (خمصانة) في الحشا والخصر، وهي (رعبوبة) أي بيضاء تتلألأ جمالاً وأنوثة كأنما شربت من ماءِ الدر والألماس! ولشاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة: «خودٌ وثيرٌ نصفُها ونصفُها مُهَفْهِفُ» *** وإذ نعتبر حكايات (ألف ليلة وليلة) من الأدب الشعبي، فإن وصف جمال المرأة في تلك الحكايات الساحرة يتشاه بعضه مع أوصاف شعرائنا الشعبيين، خاصة ابن لعبون وابن سبيل ومحسن الهزاني، وكل هذا التقاء على الذوق السليم.. من أوصاف المرأة الجميلة في كتاب (ألف ليلة وليلة) قوله: «صبية رشيقة القد، بارزة النهد، ذات حسن وجمال، وعيون كعيون الغزلان، وحواجب كهلال رمضان، وخدود مثل شقائق النعمان، وفم كخاتم سليمان، ووجه كالبدر في الإشراق، ونهدين كرمانتين، وبطن مطويٍ تحت الثياب». فلا يوجد شاعر عربي لم يصف المرأة بالغزال لافي الشعر الفصيح ولا الشعبي، طالما تعرض الشاعر للغزل ووصف جمال المحبوب. *** وعماد الذوق العربي في جمال المرأة هو عفتها وحياؤها قبل جمال وجهها وجسدها، قال مسلم بن الوليد: «إذا شكوتُ إليها الحب خفَّرها شكوايَ فاحمرَّ خداها من الخجل» وقال الفرزدق: يأنَسْنَ عند بعولهنَّ إذا خلوا وإذا همُ خرجوا فهُنَّ خُفَّارُ» أي متحفزات فلا تبرج بل عفة وحياء.. وقال علقمة الفحل: «منَعَّمَةٌ ما يُسْتَطاعُ كلامُها على بابِها من أن تُزَارَ رقيبُ إذا غاب عنها البعلُ لم تُفْش سِرَّةُ وتُرْضي غياب البعلِ حين يؤوب» ويقول ابن لعبون في وصف محبوبته: «عفيف الجيب ما داس اعلاما ولا وقف على طرق المخازي» وهي كناية جميلة عن الشرف والعفة والأصالة.. *** والخلاصة أن ذوق العرب في جمال المرأة واقعي يتفق مع الذوق السليم، وأن ما يقدمه الإعلام الغربي من هزيلات كالأشباح في عروض الأزياء والجمال خدعة لا يصح أن تنطلي على المرأة فتفقد صحتها ورجالها، فحتى الغربيون يكرهون تلك النحافة الشديدة.