مما لا شك فيه أن الدول العربية بصورة عامة ودول الخليج بصورة خاصة تعاني من مشكلة شح المياه؛ ولذلك فهي تواجه عدداً من المشاكل البيئية التي يتمثل بعض منها في زيادة وتيرة التصحر وفقدان التنوع البيولوجي وتلوث الماء والهواء والتربة وقد ساهم التغير المناخي على تفاقم بعض من تلك المشاكل. ومشكلة شح المياه لا يقتصر اثرها على ما ذكر بل يتعداه إلى تهديد الأمن المائي والأمن الغذائي ناهيك عن أن منطقة الشرق الأوسط أصبحت مرشحة بسبب شح المياه إلى ما يطلق عليه حروب المياه التي سوف تكمل الناقص من حروب الإرهاب ومصادر الطاقة وغيرها مما يتم حياكته. ولهذه الأسباب وغيرها تعمل دول الخليج وعلى رأسها المملكة على تشخيص المشكلة ومن هذا المنطلق ابدت وزارة المياه والكهرباء قلقها حيال مستقبل المياه في المملكة وفي المنطقة وذلك في ظل التنامي السكاني والاقتصادي الذي يضيف زيادة في الطلب على المياه يصل إلى 7٪ سنوياً في المملكة وحدها.. ولهذه الأسباب وغيرها تعمل دول الخليج وعلى رأسها المملكة على تشخيص المشكلة ومن هذا المنطلق أبدت وزارة المياه والكهرباء قلقها حيال مستقبل المياه في المملكة وفي المنطقة وذلك في ظل التنامي السكاني والاقتصادي الذي يضيف زيادة في الطلب على المياه يصل إلى 7٪ سنوياً في المملكة وحدها.. من هذه المنطلقات نستطيع أن نقول إن توفير الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي هو المفتاح الحقيقي لحل أغلب تلك الاشكالات؛ وذلك انطلاقاً من أن الموارد المائية هي الثروة الحقيقية للأمم. وفي سبيل الحد من تلك المشكلة وايجاد مصادر متجددة للمياه اتجهت المملكة إلى تحلية مياه البحر ومدت أنهاراً من الأنابيب من 36 محطة على البحر إلى مختلف مدن وقرى المملكة على الرغم من التكلفة العالية التي تقدر بمئات الآلاف من الملايين. ولاشك أن ذلك التوجه أصبح يعززه توجه جديد وهو تحلية مياه البحر وتوليد الكهرباء بواسطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية - كما أن البحث والتطوير وتوطين تقنيات تحلية مياه البحر سوف تعزز هذا البرنامج وهذا يتم من خلال انشاء معاهد للتدريب ومراكز للأبحاث تمكن المملكة من ان تتبوأ الصدارة في هذا المجال ليس من حيث كمية الانتاج ولكن من حيث القدرة على تصدير الخبرة وجعلها رائدة في هذا المجال الحيوي. ليس هذا فحسب بل ان المملكة أصبح لديها توجه جاد نحو إعادة تدوير مياه الصرف الصحي بحيث تصبح قابلة لإعادة الاستخدام ومع ذلك لابد من طرق جميع السبل والطرق التي تمكننا من الاستفادة من مصادر المياه المتاحة بما في ذلك ماء البحر والتي يمكن ان نذكر منها ما يلي: * الاستفادة من مفهوم المياه الافتراضية. وهذا المفهوم يمثل أهمية كبيرة جداً للدول التي تعاني ندرة في المياه. وطبقاً للمجلس العالمي للمياه تعرف «المياه الافتراضية» بأنها كمية المياه التي تعد جزءاً لا يتجزأ من الطعام أو المنتجات الأخرى التي تدعو الحاجة إلى انتاجها وهذه يمكن الاستفادة منها من خلال التجارة في المياه الافتراضية لدول الندرة المائية حيث يمكن استيراد منتجات استهلاكها للمياه عال وتصدير منتجات استهلاكها للمياه منخفض وبهذا يتم توفير كمية كبيرة من المياه يمكن ان تستخدم للأغراض الأخرى. * الاتجاه إلى الزراعة الملحية. وهذا الاتجاه يهدف إلى تطوير ادارة مثلى لاستعمالات المياه المتوسطة الملوحة والمالحة في الزراعة وتطبيق تقنيات وأساليب تحقق انتاجاً ذا مردود اقتصادي جيد مع المحافظة على القدرة الانتاجية للتربة ومنع تدهورها. لقد حظي هذا التوجه باقبال كبير من قبل كثير من الدول العربية وذلك مثل: الإمارات وتونس ومصر والأردن وليبيا والجزائر وغيرها. فعلى سبيل المثال وقع مركز خدمة المزارعين في أبوظبي اتفاقية تعاون مع المركز الدولي للزراعة الملحية وذلك بهدف الاستفادة من خبرات ذلك المركز في تحقيق وتطوير كفاءة استخدام الموارد المائية المتاحة وتحسين الانتاج الزراعي والتوعية بأهمية التوسع في زراعة النباتات التي تتحمل الملوحة وكل ذلك من أجل تحقيق التنمية البيئية المستدامة من خلال سياسة زراعية تستثمر بكفاءة الموارد الطبيعية المتاحة من التربة والمياه. بالاضافة إلى تطوير قدرات المزارعين ومدهم بخدمات الإرشاد الزراعي النافعة مع العمل على ضمان جودة المنتج. إن العمل على رفع كفاءة استخدام الموارد المائية المتاحة أصبح توجهاً عالمياً وهذا ناتج عن الشح المتزايد للمياه الذي فرض ضرورة البحث عن وسائل تساند وتساعد على الاستفادة من المياه المالحة في سبيل قهر الصحراء وتحقيق الأمن الغذائي. ومن المؤكد أن ذلك يحتاج إلى عدد من الفعاليات التي يأتي في مقدمتها: - استقراء التجارب العالمية وتجريب الناجح منها بما يتطلبه ذلك من خبرة وتقنية وتطبيق. - دعم القدرات الفنية للمزارعين بعد نجاح التجريب وذلك من خلال مجموعة من الممارسات الفنية الصحيحة لضمان تحسين أنظمة الري والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية وادخال مزروعات جديدة تتحمل المياه المالحة. - ايجاد برامج إرشاد زراعي تحدد أنواع النباتات الاقتصادية التي يمكن ان تروي بالمياه المالحة وطرق العناية بها فضلاً عن انشاء مزارع نموذجية تساعد على نقل وتوطين تكنولوجيا الزراعة الحديثة. - العمل على المحافظة على القدرة الانتاجية للتربة وزيادة مساحتها. * من التقنيات العديدة التي تستخدم المياه المالحة في ري المزارع تلك التي قدمتها احدى الشركات البريطانية بعد أبحاث دامت أكثر من عشر سنين.. وتتضمن هذه التقنية استخدام نظام ري يحتوي على أنابيب بلاستيكية تمدد تحت سطح التربة يمر من خلالها الماء المالح لكي يسقي المزروعات دون أي تنقية أو معاملة كيميائية. هذا وقد صممت أنابيب الري تلك بحيث تمرر الماء العذب النقي نسبياً من خلال جدرانها بينما تحتفظ تقريباً بجميع الملوثات والأملاح ومن العجيب ان هذا النظام المبتكر لا يحتاج إلى صيانة كبيرة فكلما في الأمر يحتاج إلى فتح أطراف الأنابيب لإزالة الأملاح والأتربة والعوالق بصورة دورية ولهذا يعتبر هذا النظام منخفض التكلفة التشغيلية والاقتصادية. كما أن من فوائد هذا النظام انخفاض الفاقد من الماء بسبب البخر لأن الأنابيب مدفونة تحت الأرض. * يؤكد عدد من الخبراء ومنهم مدير المركز الدولي للزراعة الملحية أن هناك عدداً من المؤشرات الواعدة التي سوف تمكن من زراعة الأعلاف باستخدام المياه المالحة مثل مياه البحر. إن هذا التوجه لو نجح فإنه سوف يوسع دائرة الاستثمار في الثروة الحيوانية. كما أنه سوف يساهم في تحقيق الأمن الغذائي. * إن منح الشركات الزراعية وشركات الألبان وشركات صنع العصائر والمياه المعبأة والمشروبات الغازية وكذلك شركات انتاج الدجاج اللاحم والبيض والأبقار والأغنام والإبل مناطق امتياز على السهول الساحلية والسهول القريبة من البحر وكذلك في المناطق الجبلية الوفيرة الأمطار نسبياً سوف يحقق عرضين: - ان ذلك سوف يسهل على تلك الشركات الحصول على امدادات المياه اللازمة لنشاطاتها من خلال العمل الجماعي أو الفردي على بناء مشاريع تحلية جزئية لمياه البحر بحيث تصبح تلك المياه صالحة للزراعة.. كما يمكنها الدخول في مشاريع تحلية مياه البحر وتوليد الكهرباء كمشاريع استثمارية تدر عليها أرباحاً كبيرة من خلال بيع انتاجها من المياه المحلاة والكهرباء وتحقيق عوائد مجزية. ناهيك عن تمكين تلك الشركات من التنقيب عن المياه الجوفية تحت المياه الاقليمية واستعمالها لتخفيف ملوحة مياه البحر حتى تصبح صالحة للزراعة. - السماح لكل شركة من تلك الشركات بإقامة سدود في مناطق امتيازها بالاضافة إلى قيامها بمشاريع حصد المياه في تلك المناطق وذلك لتعزيز منسوب المياه الجوفية التي يمكن استخدامها بصورة مباشرة أو خلطها مع ماء البحر بنسبة معينة لجعله صالحاً للزراعة. نعم ان قرب مناطق الاستثمار الزراعي من السواحل سوف يمكن من الاستفادة من ماء البحر إما من خلال التحلية الجزئية أو من خلال خلط مياه البحر بنسبة من المياه العذبة بالاضافة إلى ان ذلك سوف يوفر المياه الجوفية في المناطق الداخلية. ناهيك عن أن قيام الشركات الزراعية بإنشاء السدود وحصد مياه الأمطار سوف يخفف من الأعباء الملقاة على عاتق الدولة بهذا الخصوص. * ان انشاء معهد متخصص في مجال الزراعة الملحية ودراسة أنواع النباتات المناسبة لهذا النوع من الزراعة أصبح اليوم ذا أهمية كبرى خصوصاً ان المملكة دولة تتمتع بسواحل بحرية طويلة على كل من البحر الأحمر والخليج العربي. * ان التنقيب عن المياه الجوفية في الجرف القاري (تحت المياه الاقليمية) للمملكة سوف يعزز القدرات المائية للمملكة. إن احتمال وفرة المياه الجوفية تحت المياه الاقليمية كبير جداً والدليل على ذلك وجود عدد من العيون التي تنبع في بعض المناطق داخل البحر في كل من البحر الأحمر والخليج العربي. إن الحراك الدائب والمستمر لاستثمار جميع مصادر المياه المتاحة وايجاد طرق مبتكرة لمصادر أخرى أصبح اليوم ضرورة تفرضها مقتضيات الحال. والله المستعان.