لا يتخيل احد معاناتي والأغلال تثقل كاهلي عند سيري في أروقة سجني المظلم بعذابه، كُنت حرة طليقة ألهو مع صديقاتي والسعادة تغمرنا في مدرستنا، وفنائها الكبير لا يستوعب سباقنا الحركي وركضنا المجنون. عندما كنا نرى معلماتنا من حولنا نراهن كالأزهار ونحلق حولهن كالفراشات الجميلة، واكبر طموحنا ابتسامة منهن، تدغدغ مشاعر الفرح والسرور لقلوبنا البريئة، وترسم الفرحة الصادقة على شفاهنا. أما اليوم فالسجانات حولي والأغلال حول عنقي ترهقني، حتى أنني لا استطيع المشي أو الكلام بعد أن كنت أجيد التحليق كالطائر الصغير.. أي ذنب جنيته لتجرع هذا العذاب في هذا السجن المظلم بسواده وصمت الحياة في أروقته. كنت اطمح لاكتشاف الذرة وتعلم صناعة النانو، حلمت يوما أن أكون أول رائدة فضاء عربية مسلمة، دار بخلدي أن أكون طبيبة جراحة مشهورة، حقيقة طموحي كان بلا حدود، لكن صدمتي بالواقع أرهقتني، وشلت تفكيري عن أحلامي وطموحاتي. أريد اجتماع الجميع لعلاج قضيتي.. أريد أن أكون كما حلمت يوما رمزا لوطني احلق به ويحلق بي.. أريد أن افعل وافعل الكثير.. لكن متى مادامت طفولتي اغتيلت في داخلي.. وكان الحياة انتهت في عالمي. كيف انتقالي من مرحلة الدراسة بالابتدائية الى المرحلة المتوسطة نقلني من رغد الحياة وترفها الى الحياة البائسة الحزينة، هل بضعة أيام وثلاثة أشهر حولتني من البراءة والطيبة الى وحش كاسر لابد أن يروض كالأسود. لماذا افتقدت إنسانية الإنسان في مدرستي الجديدة؟ لماذا تحولت المعلمة من ملاك وردي شفاف الى مخلوق جامد بلا معالم؟ لماذا وزن حقيبة كتبي أصبح يقارب وزني فأصبح كالأغلال في عنقي؟ هل هو العمر شاخ بي في لحظة؟ فسروا لي ذلك آبائي وإخوتي؟ أريد أن يحيا الطموح بداخلي، وان تدب الحياة في روحي الهزيلة، أريد العودة للابتدائية وان كبرت دهرا وشاب شعر رأسي. أذكر صورتي بوضوح.. كيف كنت يوما موهوبة مع بعض زميلاتي، نتسابق على حصة الموهوبات في فراغنا، وكيف صنعنا أهدافنا، ورسمنا أحلامنا، ونثرناها على طاولة الموهوباتِ. أما الآن فنظام ساهر المروري نجح في مدرستي الجديدة فمراقبة أعين الإداريات على الدخول والخروج والحركات السريعة فعال في كل مكان. وويلي ثم ويلي لو ارتديت طوقا او ربطة شعر على رأسي بلون فاتح او غامق عن لون قماش الزي لمدرستي، وكذلك حذائي لم يسلم كسابقه، وكأن بلاد الصين ومصانعها لابد أن يراعوا درجة قماش ملبسي. أين التراب يقلبه الطفل الغربي ليكتشف المعادن والثروات فيه، وأنا مع أمي نتقلبُ في الأسواق لنرضي مديرتي وأعين مشرفتي؟ ماذا دهاكم يا تعليم مدرستي؟ لست الصغيرة التي كانت تضفر خصلات شعرها؟ افتحوا الفناء في مدرستي واجعلوني أتنفس الهواء الطبيعي؟ وافتحوا الآمال والأحلام ... ولا تقتلوا فيني المهجة؟ ولتحملوا يوماً عني حقيبتي التي انحنى الظهر والأكتاف من ثقل وزنها، او زودوني بعربة التسوق لأجرّها، أو اجعلوها كرة استطيع دحرجتها لتصل لصفي قبلي هذا سيكون بداية اختراعي (الحقيبة الكروية بالعجلات اللولبية) وسجلوا لي براءة اختراع إن عادت لي الحياة مجددا. ولا تقيدوا حريتي واتركوني أطير كما كنت سابقا، احلق في سماء الإبداع، وارتقي بنفسي وبأمتي.