تُمثّل نظرة خادم الحرمين الشريفين الاقتصادية في الميزانية السعودية المعلنة للعام المقبل أكبر نسبة للإنفاق العام إلى إجمالي الناتج المحلي في مجموعة العشرين، ويُعدُّ معدّل نموّها المدروس جزءاً لا يتجزأ من الجهود التي تبذلها الحكومة السعودية لرفع كفاءة الإنفاق العام. وبالرغم من استمرارها في الإنفاق الضخم، استطاعت الحكومة السعودية تقليص الدين العام الداخلي في عام 2010، بنسبة كبيرة قدرها 26%، فتصدّرت المملكة مجموعة العشرين في هذا المضمار. واستمرت المملكة أيضاً في تقليص الدين العام في عام 2010. فقد نجحت في خفض مستواه من 225.1 مليار ريال سعودي في عام 2009، إلى 167 مليار ريال سعودي في العام الجاري. ويعد هذا الانخفاض الكبير بحوالي 22% أكثر من التوقعات. ويمثّل الدين العام حالياً 10.2% من إجمالي الناتج المحلي، بالمقارنة مع 80% في عام 2002، و103% في عام 1999. والدين العام السعودي داخلي بكامله ودائنه الرئيسي هو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد، تليه البنوك المحليّة. وفيما تعاني العديد من اقتصاديات مجموعة العشرين من ارتفاع نسب الدين العامّ إلى إجمالي الناتج المحلي، برزت المملكة كنموذج فريد من نوعه والقادرة على خفض ديونها بصورة مستمرة وتحفيز اقتصادها في الإنفاق الرأسمالي. لقد تمكنّت المملكة من تخفيف أعباء ديْنها العامّ بفضل احتياطياتها الضخمة من الأصول الخارجية التي تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي، والتي بلغ صافي قيمتها في أواخر شهر نوفمبر 1.63 تريليون ريال سعودي (434.7 مليار دولار). وعززت مؤسسة النقد العربي السعودي صافي أصولها الخارجية بواقع تسعين مليار ريال سعودي خلال الشهور العشرة الأولى من عام 2010. لكنْ خلال نفس الفترة من عام 2009، قلّصت ساما صافي أصولها الخارجية بواقع 183.2 مليار ريال سعودي لكي تتمكن الحكومة، من موازنة الميزانية وسط تدنّي أسعار النفط. لكنّ الرياح هبت مجدّداً بما تشتهيه سفن المملكة خلال العام الجاري. ويعتبر الوصول الى هذه الأرقام المتدنية للدين العام، احد أهداف خطط خادم الحرمين الشريفين للتنمية، التي تضمنت ضبط مسيرة التنمية، وتعظيم العائد من الإنفاق، وتوجيه الفائض لتخفيض الدين العام، وبناء احتياطات ملائمة تساعد الاقتصاد على التكيف بالدورات الاقتصادية التي قد تنتج من تقلبات أسعار النفط وزيادة مستوى الإنفاق على المشاريع، وإطلاق العديد من المشاريع الاستثمارية، وتسريع مسيرة الطفرة الاقتصادية في المملكة. ولا ترغب الدولة في تسديد الدين العام بصورة نهائية رغم استطاعتها واحتياطياتها الضخمة، وذلك لعدة أسباب؛ أولها إتاحة الفرصة للبنوك في الاستثمار في الدين العام للتحكم في مستويات السيولة لكونه استثماراً يخلو من المخاطر، والثاني إن هذا الدين يستخدم كمعيار في تسعير السندات التي تصدرها الشركات والجهات الأخرى في السوق المحلي. لذا، فإن رؤيتنا تميل نحن ترجيح أنْ يشهد العام المقبل انخفاض الدين العام ، وبالتالي ستنخفض نسبة الدين العام الداخلي إلى إجمالي الناتج المحلي، علماً أنّ نسب الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي مرشّحة للارتفاع في الأسواق المتقدمة، بما فيها الولايات المتّحدة، حيث أطلق بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر برامجه لتحفيز الاقتصاد الأمريكي، ويُعرف باسم البرنامج الثاني لتعزيز المعروض النقدي، ولهذا فإن تتمتع المملكة تتمتع بوضع مالي فريد ومريح جداً سمح لها بمواصلة توسيع الميزانية العامة من دون الوقوع تحت ديون تُثقل كاهل اقتصادها. * مدير عام وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي