لمعرض الكتاب في بيروت سمعة ممتازة تتمثل في التنوع والحرية وعدم المنع أو المصادرة , وهذه الصفات التي تنبئ عن الامتياز الأمثل هي التي جعلت هذا المعرض يعتبر الأول من بين المعارض العربية للكتاب التي دائما ماتكون قبلها أو بعدها مشاحنات ومناوشات واتهامات ونقاشات غالبا ما تتسم بالسلبية, وبالرغم من التميز إلا أن المعرض يتعرض للنقد من الداخل والخارج ولو من أجل النقد للنقد تعبيرا عن وجهات نظر بعض الناشرين والمشاركين , وعلى صغر حجم المعرض إلا أنه كبير بمحتوياته ومناخاته الواسعة للتوزيع والرأي والرأي المضاد وعدم التعرض للمعروض وفسح المجال للتوقيع على الكتب عبر دور النشر المتعددة التي لها مساهماتها الكبرى في التعريف بالإبداع العربي مهما كان مصدره, فالغرب والشرق والجنوب والشمال وكافة العالم العربي موجود من دون قيود, وقد كانت مشاركة المملكة بجناح كان أكبر جناح في المعرض حيث استولى على مساحة مواجهة في المعرض وقد نظم بشكل لافت ومدروس في عرض إنجازات الوطن من بعض الإنجازات الثقافية المتمثلة في مشاركة بعض القطاعات التعليمية والجامعية والمؤسسات الثقافية، فكان العرض وكان الديكور المستمد من البيئة السعودية كما صاحبه الترحيب بالحضور والزائرين على الطريقة التقليدية في الاستقبال والحفاوة وتقديم القهوة العربية والتمر وبعض الهدايا الرمزية, وقد كان للبرنامج الثقافي الذي نفذ ثقله في مجاله حيث استقطب الحضور والزوار لما حواه من محاضرات وندوات صورت بعض أوجه الثقافة السعودية كثقافة عربية مواكبة ومتجاوزة, وقد كانت مشاركات الأستاذ عبدالله الناصر في محاضرته عن القصة و هي الأولى استقطبت العديد وقد وفق في عرض مكثف لتداخل الروايات في حادثة معينة بين الأجنبي والشعبي والعربي كما حدث في رواية الخيميائي لباولو كويليو ليصل إلى نتيجة أن الأسبق هو الأحق من سواه مهما تنوعت العروض, وكان الدكتور عبدالله المعطاني ملما بالكثير مما قاله بعض الشعراء السعوديين في لبنان , ففي محاضرته التي كانت عن (لبنان في الشعر السعودي) قرأ وشرح العديد من القصائد والأبيات لشعراء مثل غازي القصيبي , وحمد الحجي , وحسن القرشي وغيرهم , فكان موسوعيا وأكاديميا في لباس شاعر مبدع , والأمسية الشعرية التي أبدعت فيها الشاعرة المتألقة دوما د. أشجان هندي كعادتها في مثل هذه المناسبة , ولم يكن الشاعر جاسم الصحيح إلا لافتا للأنظار كشاعر مكتنز بالشعر الأصيل المعبر دوما عن الهم الخاص والعام , وكانت هناك عدة مناقشات ومواضيع لها مساسها المباشر بالشأن الثقافي السعودي , وفي مثل هذا المكان يكون الصوت واصلا إلى المساحات الشاسعة من العالم العربي لأن بيروت كمدينة ومعرض تتسم بالتنوع وحرية التنفس وانعدام الرقيب الذي يتدخل في الصغيرة والكبيرة ولو من غير علم وإنما لمجرد تسجيل موقف , وهذا ما يحدث في أكثر معارض الكتاب العربية , فبعضها لما يزل يرسف في قيد الرقابة الحادة القامعة التي تدعي معرفة كل شيء وهي منه براء, فمعرض بيروت لكونه من منبع النشر هو النواة التي يتوجب أن تكون قدوة لمعارض الكتاب في العالم العربي لنثبت للعالم أنّا أمة (اقرأ ) هي فعلا تقرأ وهذا هو المأمول .