في كتاب أحلى طرائف ونوادر الخلفاء وردت حكاية قراقوش الذي أعطى ابنته جرّة لتملأها بالماء ثم صفعها بكفّه قائلاً: " إياكِ أن تكسري الجرّة " فقال الذين رأوها تبكي:" هي صغيرة يا قراقوش أيجدر أن تضربها بغير حقّ وهي لم تٌذنب؟ " فقال لهم : " إني أُريد أن أُريها عاقبة كسر الجرّة حتى تنتبه وإلاّ فلا معنى للعقاب بعد كسّر الجرّة " ..! أما بعد : لابد من القول في البدء إنني لن أتورّط في تهمة الساديّة (الحصول على المتعة من خلال تعذيب الآخرين) فأنا لا يُمكن أن أُنادي بالعقاب البدني أو النفسي لإنسان لم يرتكب ما يوجب عقابه، ولكنّ الفعل (القراقوشي) في الحكاية يدفعني للتفكير أولاً في أسلوب الأحكام التي تصدر بحق منتهكي القوانين في بلادنا فمابين (ضعيف) تُقام عليه الحدود القصوى للعقوبات لمجرّد أنه سرق خروف في الصحراء أو تشاجر مع شخص ضعيف مثله، وبين (قويّ)غالبا ما ينجو من العقوبة لأن بعض أجهزة الضبط لن توجه إليه اتهاماً فما بالك بالمطالبة بالعقاب..؟؟ في حكاية قراقوش آنفة الذِكر كأن من نقل هذا الموروث يود إظهار أهمية الحذر قديماً على طريقة العرب وحسب القول الشعبي المحلّي " جاك الذيب جاك وليده ". وحين لا توجد طريقة تعليم مثالية لديهم يلجؤون فيما يبدو إلى القسوة في غرس المفاهيم أو المهارات كما فعل صاحبنا مع ابنته ليحذرها من كسر الجرّة. بالرغم من توالي الاكتشافات والاختراعات ومن ثم المرور بالتجارب والخبرات لازال القوم يستخدمون المفاهيم القراقوشية في التعليم والعقاب. على العموم أختم بالدعوة إلى نشر القوانين والأنظمة التي لها مساس بمصالح الناس في مجتمعنا شريطة توضيح العقوبات المنصوص عليها بتلك القوانين حتّى يطّلع عليها الجميع وبالتالي تجنّب صفعة (ساهر)القراقوشي على حين غِرّة.