تنشأ الأحياء السكنية من تكوين المنازل والشوارع والساحات ومباني الخدمات مع بعضها وتتداخل كل هذه العناصر متناسقه في خلق نسيج عمراني ومعماري متجانس شكلاً ووظيفة ويعيش الإنسان داخل تلك الاحياء وسط تركيبة متناغمه ومحددة تبعث الراحة والهدوء والطمأنينة والامن في نفوس ساكنيه وقصور أو اخفاق أي عنصر من تلك العناصر المكونة للأحياء قد يكون مؤثرا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على نجاح وظيفة وعمل هذه التركيبة المتناغمة ، وتلعب العلاقه التي تربط هذه العناصر مع بعضها دورا اساسيا وفاعلا في نجاح وظائفها ، فالمنازل والشوارع والخدمات عناصر اساسيه في تكوين الحي مازالت علاقاتها الشكلية والوظيفية غير واضحة المعالم في الأحياء الحديثة للمدن السعودية ، ففي ما مضى كانت تلك المنظومه من العلاقات اكثر انضباطيه واعمق فعالية اثرت بشكل لافت على ساكني الاحياء ايجابيا واعطت معنى اعمق للسكن ليتعدى دوره الاعتيادي كسكن لعلاقات اكثر ارتباطا واطول استمرارية في حياة السكان ويضفي على الاحياء السكنيه نوعا من الاحساس بالامن والطمأنينة والاسرية بين افراد واسر الحي ، هذه الظاهرة وذلك الاحساس فقد او تضاءل في ظل مستجدات اجتماعية وثقافية وتنظيمية مر بها المجتمع ، فلقد أدت عملية التطور الحضري السريع في العقود الماضية إلى الإخلال بتوازن توزيع السكان في مدن وقرى المملكة فأضحى غالبية السكان يتمركزون في المدن الرئيسية حيث تتركز فرص التوظيف ومختلف الخدمات العامة ومستويات مدنية حديثة ومتطورة ، فمدينة الرياض انقلبت من مدينة وادعة بسيطة لا يتعدى سكانها ثلاثمائة الف نسمة الى مدينة يسكنها ربع سكان المملكة بما يقارب خمسة ملايين نسمة ، كل ذلك حدث خلال سنوات بسيطة ، أثر ذلك وبشكل كبير على مجالات متعددة في حياة الساكن وأصبحت تمس اقتصاده وصحته وأمنه وحياته اليومية وعلاقاته الاجتماعية المختلفة أدت في مجملها إلى خلق نوع من القلق وعدم الارتياح والطمأنينة لما حوله فانعزل هو واطفاله وسيارته داخل بيته فجرائم خطف الاطفال وسرقة البيوت والسيارات شبح يطارد الساكن ويقض عليه مضجعه وهذه ضريبة المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية العالية ، أحياء مدينة الرياض بواقعها الحالي اصبحت شوارع يتخللها عدد من البيوت بدلاً من أن تكون بيوتاً يتخللها عدد من الشوارع وأصبحت تلك الأحياء مناطق عبور من شارع رئيسي إلى آخر تجنباً للزحام وبسرعات عالية لم تعقها المطبات الصناعية المنتشرة في شوارع الحي فأصبح الحي بوحداته السكنية المتعددة وشوارعه الداخلية خالياً وبصورة دائمة من كل مظاهر الحياة الإنسانية وتبقى السيارة العنصر الوحيد المسيطر على انحائه ، ان العلاقه بين مكونات الحي التخطيطيه العمرانية والمعمارية وساكنيه هي التي تعطي للحي عمقه الانساني وتساعد افراد ذلك الحي على خلق روح الاسرة الواحدة بين ساكنيه ، فالانظمة والاشتراطات التي تشرعها البلديات او القطاعات الاخرى ذات العلاقة بنظام البناء تلعب دورًا هاماً وحيوياً في اسلوب الحياة داخل الحي وطريقة التعامل مع البيئة المبنية وسلوك المستخدمين فمكونات الأحياء السكنية من منازل وساحات ومبانٍ وخدمات وشوارع تتداخل فيما بينها لتخلق مجتمعة نسيجاً عمرانياً ومعمارياً متجانساً شكلاً ووظيفة ويمتاز الحي برقيه ونجاح وظيفته كلما كانت تلك المكونات او العناصر تكمل بعضها بعضاً ويؤدي فقدان ذلك الترابط الى خلل واضح في وظيفة وأداء الحي يؤثر مباشرة على ساكنيه، ولكن الملاحظ في أحياء مدننا الحديثة وجود نوع من العزل وضعف الترابط وعدم وضوح العلاقه بين تلك المكونات فالمنازل والشوارع المحيطة بها عنصران اساسيان في تكوين الحي مازالت علاقتهما الشكلية والوظيفية غير واضحة المعالم فأسوار المنازل بشكلها الحالي تقف حائلاً قوياً ضد خلق تداخل ايجابي بين المنازل والشوارع يحفظ للمنازل خصوصيتها وأمنها ويحفظ للشوارع حيويتها ووظيفتها وجعلها مع المنازل منظومة واحدة متداخلة تخدم الساكن داخل منزله والساكن خارج المنزل وفق علاقة توافقية ناجحة ، ان عجز المخططين والمصممين عن ايجاد صيغة ناجحة تربط بين المنازل وما يحيط بها من شوارع جعل منازلنا قلاعاً تحيط بها الاسوار بمعزل تام عن الشارع المجاور وبالتالي عن الحي مما ادى الى العديد من الظواهر السلبية على المسكن وعلى الحي وذات تأثير على الساكن بصورة مباشرة فشوارع الاحياء لدينا تكاد تكون خالية من الحياة مهجورة في اغلب الاوقات لا يتجول بها سوى السيارات لا يرى فيها سوى سلسلة طويلة لا تنتهي من الاسوار تتخللها بوابات دائمة الاقفال حيث تشكل الاسوار بوضعها الحالي ولوجود مسافة الارتداد بين الفيلا والسور الخارجي تخلق نوعاً آخر من العزل داخل نطاق المنزل فمساحات الارتداد المحيطة بالمنزل تعتبر فراغاً آخر اقل خصوصية وأضعف أمناً ، كذلك علاقة المنازل بالخدمات وعلاقة الخدمات بالشوارع كل تلك العناصر تحتاج الى تنسيق عميق وهنا يكمن نجاح التخطيط العمراني والمعماري للحي من عدمه ، كما ان عدم وجود مركز حيوي للحي يكون نقطة تجمع والتقاء اجتماعي وخدمي للسكان ادى الى ضياع هوية الحي وضعف شخصيته وغياب مركز الثقل والجذب للسكان منه وإليه وقد يكون في تفعيل دور المسجد وتركيز المباني الخدمية والتجارية والترفيهية والمرافق الأخرى حوله نواه لتكوين مركز نشاط فعال يجذب سكان الحي بمختلف فئاتهم اليه مما يؤدي مستقبلاً الى اندماج السكان مع بعضهم كما ان ارتياد السكان للمركز للصلاة او لقضاء احتياجاتهم من الخدمات حول المسجد يؤدي الى اضفاء الامن وتبديد ظهور الحي بمظهر الحي المقفر ولتهيئة الوصول الى مركز الحي والحركة داخل الشوارع الداخلية يفترض اعادة دراسة شوارع الاحياء الداخلية لتكون اكثر انسانية وان يركز المصممون والدارسون على ان تكون متطلبات الانسان اولاً ثم السيارة فغالبية الشوارع الداخلية للأحياء لا تخدم الانسان اطلاقاً انما هي للسيارات فالشوارع عريضة على حساب ارصفة المشاة المليئة بالاشجار التي تعيق المشي عليها ولا تخدم حق الانسان بالمشي فالافضل وفي داخل الاحياء بالذات تقليل عرض الشوارع وتوسيع عرض الارصفة لتوفير بيئة ملائمة تساعد السكان على المشي بدلاً من استخدام السيارة باستمرار، وعند الحديث عن الاحياء لابد من دراسة وضع مداخل ومخارج الأحياء فمعظم الأحياء في المدينة تتعدد فيها المداخل والمخارج فالحي الذي اسكن فيه مساحته الاجمالية لا تتعدى الكيلو متر المربع الواحد ويوجد على محيطه اكثر من عشرين مخرجاً او مدخلاً وهذا بالاضافة الى سلبيته الامنية والاجتماعية الا انه يجعل الحي بكامله ممراً سهلاً للسيارات ويزداد ذلك عندما تكون الشوارع المحيطة بالحي مزدحمة فيلجأ العديد من قائدي السيارات لاختراق الحي تفادياً للزحام او لاشارة المرور وبذلك يفقد الحي خصوصية ويضعف الدور الرقابي والامني للحي ، ان عدم تناسق وتناغم مكونات الاحياء السكنية ضمن منظومة متكاملة يولد خللا عميقا في أدائها لوظيفتها وبالتالي انعكاس ذلك على سكان تلك الاحياء ، لقد تم تخطيط معظم الاحياء السكنية في المدن السعودية خلال فترة زمنية قصيرة ضمن وضع كان يتطلب السرعة لمواجهة النمو السريع للسكان ورغبة غالبيتهم للسكن في المدن الرئيسية دون غيرها ووفق تلك الظروف ولتلبية هذه المتطلبات لم يعط المخططون الوقت الكافي لدراسة الجوانب الانسانية للاحياء وعلاقة المكونات الاساسية للحي مع بعضها وتأثير تلك العلاقة على السكان ، لكن بالامكان في وقتنا الراهن اعادة ترتيب تلك العلاقات من خلال تأهيل شوارع الاحياء الداخلية وتقليص مداخل ومخارج الاحياء وتحديد مراكز حيوية للاحياء واحياء دور المسجد ليكون بؤرة تجمع لمعظم خدمات الحي وعدم حكر المحلات التجارية على الشوارع الرئيسية المحيطة بالحي وتحديد مسارات السيارات داخل الاحياء وتهئية الارصفة للمشي واعادة النظر في جدوى الشوارع العريضة داخل الاحياء ، تستطيع البلديات من خلال بعض الانظمة والشروط والتعديلات البسيطة على التخطيط الراهن للاحياء ان تضفي الطابع الانساني على الارصفة والشوارع الداخلية ومكونات الحي الرئيسية وتخلق الروابط بينها لجعل الاحياء ممتعة ومناسبة لمن يسكنها د . خالد بن عبدالعزيز الطياش