كيف من الممكن ان نجعل أبناءنا وبناتنا يلتزمون , بل يحبون مراجعة دروسهم أولاً بأول قبل مرحلة أقصد أزمة اختبارات منتصف العام أو آخره ؟ سؤال غير مهضوم . أعلم ,ولكن حال ظاهرة التأخير في الاستذكار التي نراها في البيوت خاصة ايام الاختبارات ثم اللجوء إلى طوارئ الدروس الخصوصية والسهر المستمر ,كثيرا ما يجعلنا نتساءل لماذا لا تتم الاستفادة من هذه التجارب وعدم تكرارها في المرات القادمة ؟ مرة ثانية ليس هناك إجابة محددة . خسارة ..فكثير من الامكانيات التعليمية التي يحملها الطالب والطالبة تهدر او لا تكتشف , وتبقى لائحة الاتهام تتراوح ما بين مؤسسات التعليم ودور الوالدين وهجمة العادات العصرية من وسائل اتصال وألعاب وتسالي . ومشهد محاولة استرجاع المعلومات والدروس التي تبلغ اوجها عندما يتم التلقين الذاتي ( ليس هناك وقت للاستيعاب او الفهم فغدا او بعد غد الاختبار ) ثم عبوس اليوم التالي وغضب ( كثير مما ذاكرته وسهرت عليه لم يأت في ورقة الاختبار وكأن المعلم او المعلمة خدعتهم) يجعل من يعايشون تلك الظاهرة ربما يشعرون بأنهم تحت رحمة الحظ , او هكذا يخيل اليهم رغم ان الوضع ليس كذلك بالطبع . نعلم أن الطالب المجتهد يقضي اوقاته في المراجعة , ولكن ما يثير الاسى هو التعبير العامّي " طناش " الدروس طوال العام ومحاولة الالمام بها في آخر لحظة , وتوقع علامات جيدة في نفس الوقت. أغلبنا يمر او يسمع عن تلك الحالات من واقع التجربة او الملاحظة عما يدور في حياة المجتمع , غير ان الاعتياد على روتين المذاكرة المتأخرة ليس في صالح الاجيال وخسارة قدرات لاشك. عموما ما تتم التوعية به والتحذير منه ايام الاختبارات في كل موسم ,عن تداول حبوب السهر الكبتاجون وآثارها المعروفة , والتي تعتبر من المخدرات , في المدارس الثانوية و الكليات تجد لها سوقا من منطلق عدم الاستعداد الكافي والحاجة إلى استثمار كل ساعة حتى على حساب وقت النوم والراحة. ربما علينا هنا ان نعي ان ظاهرة التسيب في المذاكرة وتأجيل المراجعة لا تعني فقط إهدار قدرات الطلاب التعليمية وانما في وجود ثغرات حياتية من السهل أن تنفذ منها عادات تعويضية سيئة ومضرة . وكلما جاء ذكر هذه الحبوب المسهرة اتذكر حكاية الشاب المجتهد الطالب في كلية الطب والذي كان محط اعجاب امهات اصدقائه من فرط التزامه وتنظيمه الحياتي وتفوقه ,حتى إن احداهن تحكي كيف كانت تعقد المقارنة بينه وبين ابنها وتحثه ان يصبح مثل صديقه .وكان ابنها يهز رأسه ويسكت . إلى أن جاء يوم اكتشفوا ادمان الطالب المتفوق على حبوب الكبتاجون وتدهوره بعدها بسرعة. وكانت امه المسكينة تهاتف كل أصحابه وهي تبكي كي يجدوه بعد ان يكون اختفى من بيتهم ! إن هناك حالات محزنة كثيرة قد نتصور ان الافلام او التوعيات تبالغ في تصويرها غير ان الحقيقة اكثر من ذلك . لقد امضت عائلة الشاب زمنا وجهدا ومالا من اجل استعادة ابنهم ,وشفي وتزوج ثم انتكس وطلبت زوجته الشابة الطلاق وما زال اهله يشيرون إلى اصدقاء السوء رغم ان اغلب رفقائه كانوا من خيرة الشباب إلا ان قرار استخدام الكبتاجون وقد عرض عليه من ايام الثانوي كان اختياره الشخصي لانه أراد نتيجة عالية تؤهله للقبول في كلية الطب وعليه ان يواصل الليل بالنهار كي يأتي بالعلامات النهائية ! وكان له ما أراد ولكن الثمن كان باهظا .