أخبرني أحد أقربائي بقصة طريفة تستحق أن نبدأ بها مقال اليوم .. فقد تقدم لابنته المريضة بطلب إعانة من وزارة الشؤون الاجتماعية.. وكان من ضمن الطلبات صور شخصية تؤكد حالة الطفلة المرضية.. وقبل أن يأخذها للأستوديو عمدت والدتها إلى تحميمها وتمشيط شعرها وإلباسها أفضل فساتينها، بحيث ظهرت بأجمل حالة يمكن تصويرها.. غير أن الطبيب المسؤول عن إنهاء ملف الطفلة لم تعجبه الصور وقال باللهجة المصرية: "لا لا كدا ماينفعش، البنت مش باين عليها إنها عيانة ولا محتاجة ولما يشوفوها كدا زي الفل مُش حياخدوا أوراقها" .. فسأله والدها "وماذا أفعل" قال "عندك واحد من تتنين: إما تصورها أول ماتصحى من النوم قبل ماتغسل وجهها وتمشط شعرها، أو تأخد صورها دي للاستوديو وتعمل عليها فوتوشوب حزين يقطع القلب"!! وهكذا عاد الأب للاستوديو وطلب إجراء تعديلات حزينة على صور البنت تستدر عطف أي موظف يراها في الوزارة (وبالفعل تم قبول صورها وأوراقها وصرفوا لها الإعانة)!! ... والفوتوشوب لمن لا يعرفه مجرد برنامج واحد من برامج كثيرة تتيح للكمبيوتر تعديل وتغيير أي صورة يمكن تخيلها .. فمن خلاله يمكن مثلا تغيير الملامح ولون البشرة وإزالة الشنب واللحية أو تغيير وتضخيم الأعضاء أو عناصر الوجه، بل وحتى نقل رأسك ووضعه على جسد شفاف قبل بثها في الانترنت... وحتى سنوات قليلة مضت كانت تغييرات كهذه صعبة ومرهقة وحكرا على خبراء التصوير والسينما .. أما اليوم فيتوفر "الفوتوشوب" للجميع ويأتي مجانا مع معظم الأجهزة المباعة (بل وأملك في جوالي برنامجا مشابها يمكنه تشويه وتعديل أي صورة ألتقطها أو أخزنها فيه).. وأذكر أنني شاهدت برنامجا (من نوع الكاميرا الخفية) يعتمد على تغيير صور الضيف (الشخصية) ومراقبة ردود فعله تجاهها.. وقد وصل الحرج بإحدى الممثلات إلى حد الانهيار والبكاء حين رأت صورها في أوضاع مخلة على شاطئ البحر، وأخذت تقسم بأنها لم تذهب يوما إلى هناك.. ومواقف محرجة كهذه تكررت في أكثر من مناسبة وتسببت بنتائج مضرة لأصحابها (خصوصا حين يتعلق الأمر بصحيفة معروفة كالنيويورك تايمز تلجأ لتعديل الصور وجعلها أكثر مواءمة للتقارير التي تقدمها).. .. فالموقع الرسمي لعمدة واشنطن مثلا يظهره واقفا أمام النصب التذكاري للرئيس ابراهام لينكولن في حين اتضح أنه كان يقف أمام بوابة ديزني لاند في فلوريدا .. ونفس الغلطة ارتكبتها المذيعة البدينة أوبرا وينفري التي نشرت في موقعها صورا رسمية وضعت فيه رأسها فوق جسد أكثر نحافة وتناسقا .. أما الدليل السياحي الرسمي لمدينة تورنتو (لعام 2005) فتظهر على غلافه الخارجي عائلة سعيدة جُمع أفرادها من مصادر مختلفة.. وكان من الواضح حتى لغير الخبير أن الصورة مختلقة وأن المصمم تصرف بغباء كونه اختار الأم شقراء والطفلين بملامح مكسيكية والأب بملامح أفريقية سوداء... وتصرف أحمق كهذا يمكن أن يحدث حتى على مستوى الدول حيث عمدت إيران مثلا إلى الاستعانة بتقنيات الفوتوشوب لتضخيم وتعديل وإضافة ملامح الهيبة على صواريخها المنتجة محليا (قبل أن يفضحها خبراء التصوير في صحيفة التايمز قبل عامين تقريبا)!! ... وكل هذه الأمثلة (ومالا نعرفه أكثر) تؤكد بأن التطور السريع لهذه البرامج وتوفرها لمن هب ودب يجبرنا على تغيير مواقفنا ومراجعة قناعاتنا تجاة هوية الصورة ومصداقية التصوير ذاته.. فحتى وقت قريب كانت الصورة خيراً من ألف كلمة، وكانت قناعة من شاهد ورأى تفوق من سمع أو قرأ في حين لايمكن لكافة التقارير الصحفية والتبريرات السياسية الوقوف أمام صورة واحدة تؤكد ما حدث فعلا.. ولكن ! كما تثبت قصة الفتاة التي بدأنا بها أن الصورة الشخصية لم تعد مفيدة في إثبات أي شيء رسمي، أصبح من حقنا نحن التشكيك بأي صورة مشينة أو لقطة غريبة أو مشهد يخالف المنطق، أو حتى وجه وجسد لا يعترف به صاحبه! ... وبمناسبة "الوجه" ألا تبدو الصورة أعلاه لشخص ينظر من "الدريشة"..