نتغافل الجميع ، البر شاسع ومغرٍ ، والعراوي الحمراء تضحك لنا ، مراهقات نتجمع بنات أعمام وأخوال نتقافز، بعضنا للخلف وبعضنا في الأمام ، وتتولى أحدنا القيادة . نطير فرحا والسيارة تعلو وتهبط ونصرخ وكأننا في مدينة للملاهي ، نخاطر نعم والمخاطرة جميلة وكل ممنوع مرغوب .. عندما طارت العراوي بنا وحلقت ، خنق الصمت أفواهنا ، تذكر بعضنا الشهادة وبلع بعضنا لسانه رعبا . تساقطنا فوق بعضنا. طارت وكنا نتوقع طيراننا لشيء ما غير الحياة ، لكن رحمة رب العالمين جعلها تبرك فوق طعس رمل ، التففنا حول بعضنا هناك من تبكي وهناك من تتحمد الله، هناك من تمسح جراحا خفيفة . وواحدة من تشتم من أغرتها بالركوب . ولكن علينا أن نتدبر أمر العودة للمخيم ونتدبر العذر ، ونتحمل النتائج المؤلمة . مشينا منفوشات الشعر مرملات الملابس ، عطشى ، والخوف يأكلنا والليل قد أقبل ناشراً خيمته السوداء على الصحراء .. حل خوف آخر محل خوفنا الأول ، أن نتوه في الصحراء ونكون عرضة للذئاب .. بل زيادة في الخوف والرعب راحت الريح تصفر متلونة في صوتها ، وبدأ بعضنا ينهار رعبا ، وعلينا أن نسند بعضنا ، ونكون صارمات وقويات حتى لا يجر الرعب الجميع فنفقد خطانا ، وهكذا مشينا نتطلع يمينا وشمالا لنور هنا أو هناك . حتى لمحنا ضوءاً قادما ، واستبشرنا ، كانت رحمة الله ، أحد أعمامنا يبحث عنا ، لا ندري كيف بكينا جميعا من رعب وكيف كان يهدّينا ، حتى نسي أن يعاتبنا وكان كل همه أن يمسح ! الخوف عنا . ذكرتني بالحادثة ،البنات اللواتي ذهبن ضحية للتجربة، وكسرت شبابهن الغض رغبة التجربة ، التي لم تتوفر لهن ضمن النظام الحكومي ، ولا ضمن النظام المجتمعي . أغلب الأهل يبحثون عن مكان آمن لتدريب بناتهم على القيادة ، ليس للتطعيس والمغامرة ولكن لحقها في الحركة ، فكيف بالله يمكن أن نبعث ببناتنا للدراسة في دول العالم ونمنعهن من القيادة داخل البلد ، كيف ممكن أن نجعلهن قياديات في حين لا يستطعن قيادة مركبة ويكنّ تحت رحمة سائق؟! رحم الله الفقيدات وجعلهن في مرتبة الشهداء ، وقبلهن بثلاث سنوات غادرتنا فتيات أيضا بعمر الزهور ، رحن يتدربن على القيادة في الصحراء ، وكان أن انقلبت سيارتهن ، طبعا جميعهن بنات أعمام وأخوات . وكان الحزن مضاعفاً . السؤال هنا إلى متى تبقى بناتنا عرضة للتجارب المخفية ، وعرضة للموت الصاعق والمذهل للأسر ، إلى متى والبنات بهذا الرخص .. فيستقبل الموت أربعاً أو خمساً في وقت واحد ، إلى متى؟! وإلى متى يرحل الناس ببناتهم للبحرين أو بيروت أو أي مكان في الدنيا من اجل تعلم القيادة والحصول على رخصة تبقى في الأدراج انتظارا ليوم موعود طال انتظاره؟ إلى متى هذا الحق مغيب؟ رحم الله الفتيات وغفر لهن وصبّر قلوب أمهاتهم وآبائهم .