إن من واجب الأخوة الإسلامية توثيق عرى المودة بين المسلمين، وتصفية القلوب من الغل، والحرص على ما يجلب المودة والتآلف، وتجنب ما يوغر الصدر، ويورث العداوة والبغضاء، ورسولنا صلى الله عليه وسلم حذرنا من أسباب التفرق والشقاق، وما يورث العداوة والتنافر بين أفراد المسلمين، فنهانا عن الظنون وعن تتبع العورات، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا)، كثرة الظن توقع ولا شك في الإثم، وبها تحصل المفسدة بين أفراد الأمة، لقد أمر عز وجل بالإصلاح بين الناس، ورغب فيه، وحث على تقرب القلوب بعضها من بعض، وتصفيتها مما علق بها من الحسد والحقد والبغضاء، أمر بالإصلاح بين الأقارب والأرحام، بين الزوجين، بين الإخوة في الدين، قال تعالى (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)، سورة النساء (144). ونحن في أشد الحاجة إلى التعاون والتقارب وإلى التآلف وتبادل المصالح على أساس من الصدق والإخلاص في مودة وتراحم. ولو إننا قمنا بواجب الإصلاح بيننا فأصلحنا بين الأخوة إذا تنازعا والزوجين إذا اختلفا وأصلحنا بين كل متخاصمين، وبذلنا كل ما في وسعنا في ذلك مهما كان الخصام، فنكون بذلك قد امتثلنا أمر الله ورسوله، وقمنا بواجب الإخوة الدينية، وظهرنا مجتمعنا في الشر والفساد. ولست أبالغ عندما أقول إن في بعض الخصومات ما يحمل على التجني، ويقضي على الأواصر ويقطع ما أمر الله به أن يوصل من وشائج الرحم والقربى ويذهب بريح الجماعة، ويبعث على الفساد في الأرض، وخاصة الخصومات بين الأقارب التي كثرت في هذا الزمان، وتسببت في قطيعة الرحم، فالواجب معالجتها من مبدئها والقضاء على تلك الخصومات في مهدها، قبل أن تتوسع وتشمل آخرين من ذوي المتخاصمين. ولهذا يوجب علينا ديننا الحنيف أن نبادر بالسعي بالإصلاح بين من وقع بينهم الشقاق، بالعدل متجردين من الهوى والمعصية والمصالح الشخصية نبتغي بذلك وجه الله سبحانه وتعالى حتى يتحقق الغرض المطلوب من الإصلاح، وتنقطع الخصومات، وتتلاشى، ويحل محلها الصفاء والمحبة والتآخي، قال عليه الصلاة والسلام (لا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة، قال أبو الدرداء: قلنا بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين) وفساد ذات البين هي الحارقة. كم من بيت كاد أن يتهدم وكم من قطيعة كادت أن تحصل فإذا بالمصلح وفقه الله بكلمة طيبة وتذكير بعواقب الأمور يعيد الوضع إلى ما كان. قال أنس رضي الله عنه (من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة) وقد أجاز بعض العلماء الكذت في سبيل الإصلاح (إن الله أحب الكذب في الإصلاح وأبغض الصدق في الإفساد). إن البعض قد يهتم بالإصلاح ويريد أن يصلح لكن يبقى عليه قضية من حوله من المؤثرات من بعض أقاربه أو بعض أصدقائه أو من بعض أهل السوء الذين يسعون لعدم الإصلاح ويمشون بالنميمة فمن يمشي بالنميمة لا خير فيه فأغلب الخلافات الأسرية سهلة وقد يستغرق حلها جلسة واحدة بحضور المتخاصمين بعيداً عن المؤثرات الخارجية وأهل المصالح والمستفيدين من تلك الخلافات فهنيئاً لمن قام بالإصلاح والتقريب. خاتمة الله طَهِّر قلوبنا من الحقد والنفاق والحسد والرياء وألستنا من الكذب والغيبة والنميمة. اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر برحمتك يا أرحم الراحمين. !!Article.footers.caption!!