المال عصب الحياة وشاغل الناس ورحيق الأحلام ومنطلق النفوذ وبوابة الأمن الحياتي والمستقبل الأسري، هو الطاقة المتدفقة بكل قوة في شرايين الاقتصادي العالمي والمحلي، سواء كان على مستوى الدول أو الشركات والمؤسسات أو الأفراد والعامة، يدفع بقوى العمل إلى الأمام وبه تبنى الأمم والشعوب وتتحقق الطموحات والآمال وتتم المشروعات وتوقع العقود ويبدأ العمل وتنهض البلاد والأقطار، وعلى أساسه يكون أي تخطيط مستقبلي سواء كان تشغيلياً أم استراتيجياً للمنظمات والأفراد. فكيف نغطي جميع الجوانب التي تنهض بنا على مستوى الأمة والأوطان والمجتمعات مع غياب لإستراتيجية مالية واضحة للأجيال الحالية واللاحقة وهذا هو مدار حديثنا اليوم ولعدة مقالات قادمة نكمل فيها الملف المالي بأذن الله. ترصد الإحصائيات في العالم العربي عودة كبيرة إلى ممارسة الأعمال الحرة لدى الشباب والفتيات في هذا العصر ونفورهم من ثقافة الوظيفة والعمل المقيد الروتيني، وهذه علامة إيجابية وظاهرة صحية حيث تعود الأعمال الحرة والمشروعات الصغيرة والاسر المنتجه إلى الواجهة من جديد بعد انقلاب الموازين، وتقديس الأجيال الماضية للعمل الوظيفي واعتبارهم له أنه بوابة الحياة الوحيدة ولكنهم أصيبو بخيبة أمل كبيرة حيث تؤكد الدراسات والابحاث أن 1% من الموظفين هم من يصبحون أثريا وأن 99% هم عالة على صناديق التقاعد والتأمينات بعد إنتهاء رحلة العمل والبعض منهم يكون أيضاً عالة على أولاده في هذه المرحلة الحساسة من العمر أفين يكمن الخلل!! ولعلي أفهم هنا من هذه الآية القرآنية العظيمة: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الآية، إن الإعداد الفردي والجماعي لهذه الأمة لا يجب أن ينسى قوة الإعداد في الجانب المالي والاقتصادي للفرد والجماعة فإذا عرفنا أن ستة من العشرة المبشرين بالجنة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا من الأثرياء وهم من ساندوا قيام الدولة وتوسعها ونهضتها ونشر الدعوة الإسلامية والتبشير بها في كل مكان مع حفاظهم رغم ثروتهم على قيمهم ومعتقداتهم وأخلاقهم وتواضعهم وخوفهم من الله وتقواهم فكان المال إضافة لهم وليست عليهم، وهذا هو جوهر الإنسان المتوازن الثري بخلقة ودينه وماله في آن معاً فهو وسيلة وليست غاية. يقول القائد القدوة صلى الله عليه وسلم: (نعم المال الصالح للرجل الصالح) رواه أحمد، فالزهد هنا ان يكون المال في يد الإنسان وليس في قلبه كما يذكر الإمام أحمد، وليس الزهد كما يحاول البعض أن يروج على انه إنصراف عن الدنيا وانقطاع عنها ورفع الشعارات الانهزامية، التي من أولها «القناعة كنز لا يفنى»، «ومد لحافك على قد رجليك»، وكل هذه الثقافة الانهزامية التي تروج للخمول والضعف والدعة والاستسلام والبعد عن أي طموح مالي أو حياتي مشروع بل هو مطلوب وبشكل ملح وضروري. في هذا العصر الذي لن نحقق فيه أي نجاح ألا عبر عصب الحياة الذي هو المال، كما أحب أن اؤكد على سلامة مصدر هذه الاموال وشرعيها والبعد عن كل عمل مشبوه أو محرم يبطل بركتها وينهي فائدها ويجعلها وبالا وشرا لا يقدر ولا يحتمل. وعليه فكيف نستعيذ نحن المسلمين في الدعاء من الفقر والحاجة والقهر والدين وغلبة الرجال ولا نسعى جاهدين لتطبيق فحوى هذا الدعاء على ارض الواقع عبر استراتيجيات صناعة الثروات والمشاريع الإنتاجية وتفعيل الطاقات والاستفادة من الأطروحات والسعي وراء الرزق الحلال بكل همة توصلنا إلى القمة وإنفاقها فيما ينهض بنا ويرتقي بمجتمعاتنا. مع حرصنا التام أن لا يسرق المال منا توازننا ونظرتنا إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا، و إلا يدخلنا عالم الطمع والجشع والظلم والبغي والغش والكذب والبهتان والنفاق على الإطلاق. حديثي اليوم سوف يكون عن المشاريع الصغيرة التي تمثل جزء كبيرا من اقتصاديات العالم ونطاقها الإداري والتنظيمي فهي تمثل في الغالب 95% من مجمل المشاريع في العالم. يعمل فيها في اليابان على سبيل المثال 82% من القوى العاملة وفي الصين 75% ونسبه قريبة من ذلك في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ما يعطى هذا الموضوع خاصة أهمية كبيرة ولا شك حول العالم، ويجعلنا نغير كثيرا من المفاهيم غير الدقيقه حول هذا الموضوع المهم، فالأفراد يعتمدون اعتماداً كبيراً في صناعة ثروتهم واستقلالهم المالي وتحقيق ذواتهم وتحويل أفكارهم وإبداعاتهم إلى واقع على المشاريع الصغيرة والعمل الحر بوجه عام، وعلى الجانب الآخر فالدول أيضا يرتكز اقتصادها الضخم في المشاريع الصغيرة في متوسط يحوم حول ما بين 65 و75 من إجمالي المنظومة الاقتصادية وهو رقم كبير ولا شك. فضلاً أن المشاريع الصغيرة والأعمال الحرة أصبحت حلاً مهماً ومجرباً عالمياً لمعضلة البطالة التي أسهمت بتفاقم مشكلات كثيرة مثل الفقر والجريمة والعنوسة وأزمة السكن والضغوطات النفسية التي صنعت أزمات صحية واجتماعية كبيرة. وعليه فيعد كثير من أهل التجارب الناجحة الذين عبروا من خلال بوابة المشاريع الصغيرة أشخاصا يستحقون التوقف أمام تجاربهم ملياً حيث يتعففون عن العودة للعمل الوظيفي بعد أن تذوقوا حلاوة النجاح في هذه المشاريع التي انطلق منها أعظم وأكبر وأهم رجال وسيدات الأعمال والأثرياء والماليين والتنفيذيين في العالم من دون منازع، فهم بطبيعة الحال لم ينطلقوا من الأعلى ولم يكونوا وليدة الحظ والصدفة كما يعتقد كثير من المسوفين للأسف، بل كانت بدايات بسيطة خلطت بأفكار إبداعية ملهمة وإدارة بجودة وإتقان ورؤية وتحد وأهداف واضحة وصبر وإيمان وجدية. ولابد هنا أن أعرج على أهمية الاستفادة من التجارب السابقة واللاحقة في هذا الباب لجعل العمل والإنتاج سهلاً وسلساً وممتعًا، والتحديات والصعوبات التي سوف تواجهنا محكومة وقليلة التأثير. ونورد أفكاراً مهمة لخوض هذا الغمار الممتع والشيق ولا تنسى أن نأخذ مفاتيح النجاح الذهبية عبر طرحنا لهذه الأسئلة الثلاثة المحورية على أنفسنا ثم ننطلق إلى العالم الجميل بكل عزماً وحزم وتجلد. السؤال الأول: هل أنا صالح لكي أكون رجل أعمال أو سيدة أعمال؟ تأكد من دوافعك، وهو سؤال لا يمثل تحديا للإجابة بل انتم تسألون أنفسكم بكل بساطة وسلاسة عن دوافعكم للقيام بهذه الأعمال ومادامت الدوافع والمحفزات المالية والاجتماعية والعائلية والشخصية كافية للإقدام على هذا العمل، فسوف يكون ناجحاً بلا شك ويحمل في طياته كثيرا من الإمتاع والفائدة. ونقصد هنا عندما نتحدث عن الدوافع المالية أي هل لديك طموح مالي أو تريد أن يكون لديك دخل إضافي أو تريد أن تحس بالأمان المهني والحياتي. أما فيما يخص الدوافع الشخصية فهل تحب أن تكون سيد نفسك؟، هل تكره العمل لدى الآخرين؟ هل تحس أن قدراتك وإمكاناتك أكبر من العمل الوظيفي؟ هل تحب أن تحقق ذاتك؟. أما فيما يخص الدوافع العائلية فهل تريد أنت وعائلتك على سبيل المثال أن تحس بالأمان المستقبلي، هل تريد أن تتمتع بمستوى معيشي معين لك ولعائلتك، هل تريد أن تمتلك منزلاً وتنعتق من عالم الايجار. أما الدوافع الاجتماعية مثلا كسب التقدير والاحترام من المجتمع، كسب مكانة مرموقة في المجتمع، المساهمة في تطوير المجتمع وتقدمه وغيرها. السؤال الثاني: ما مجال النشاط الذي أفضله؟ وهو سؤال لا يقل أهمية عن الذي قبله حيث من المستثمرين الجدد من يحب العمل في المجال الصناعي وفروعه وهو مجال له أطره ومحدداته، وهناك من المستثمرين من يريد العمل في المشاريع الزراعية الصغيرة والإنتاج الحيواني والدواجن وهو أيضاً عالماً آخر مستقل بذاته، وهناك نوع من المستثمرين يريد العمل في حقل الخدمات مثل الاستثمار في عالم السياحة، أو الاتصالات، أو المطاعم، أو التعليم والتدريب، أو الاستشارات وغير ذلك من الاستثمارات الصغيرة المجدية والنافعة، كما يفضل هنا أن يفصل المستثمر في توجهاته التجارية بين توجهه نحو تجارة الجملة، أو التجزئة، أو الاستيراد والتصدير المباشر ويحدد الطريق والهدف من البداية. السؤال الثالث: ما الإطار القانوني المناسب لمشروعي الصغير؟ وهو سؤال مفصلي هام لأنه سوف يضع التصور النظامي والقانوني للعمل والإنتاج، وكلما كان هذا الوضع واضحاً جلياً سهلت التعاملات التجارية والبنكية وعرفت الحقوق والواجبات والأطر العامة للعمل وعرف صاحب العمل والمتعاملون الإمكانات المادية والنظامية المتاحة وطبيعة النشاط ومهام الشركاء وصلاحيات المدراء والتنفيذيين وكيف يمكن التعامل مع الأزمات ودرجة المخاطر وعدد العاملين في المنشأة وغير ذلك، وينقسم الايطار القانوني العام للمنشأة الصغيرة إلى عدة أقسام منها المؤسسة الفردية أو الشركة التضامنية أو ذات المسئولية المحدودة أو الشركة ذات التوصية البسيطة وهي تجمع بين أنظمة التضامنية و ذات المسئولية المحدودة وأخير شركة التوصية بالأسهم. وفي الختام بعد إجابتكم على هذه الأسئلة الهامة وتأكدكم من الأرضية التي تسيرون عليها ومدى صلابتها وقوتها وتحملها تجنب الأخطاء العشرة التي يقع فيها كثير ممن ينشدون الثراء أمثالكم عندما يؤسسون المشروعات الصغيرة الخاصة بهم ويتوجهون إلى احتراف الأعمال الحرة الممتعة، وهو ما سوف نتطرق له في المقال القادم بإذن الله، دمتم برخاء وإبداع. ختاماً جهات داعمة وحاضنة سوف تقدم لكم كثيرا في هذا الباب: * البنك السعودي للتسليف والادخار، http://www.scb.gov.sa/ * صندوق المئوية، http://web.tcf.org.sa/new/ * برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع، http://www.aljprog.org/ar/sandook_ma...ee_saghera.htm * صندوق التنمية الصناعي وهو مخصص لدعم المصانع الجديدة ،http://www.sidf.gov.sa * صندوق التنمية الزراعية http://www.adf.gov.sa * برنامج كفالة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة http://www.sidf.gov.sa /arabic/ ----2/index.htm * صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف» http://www.hrdf.org.sa * مدرب ومستشار معتمد في التنمية البشرية وتطوير الذات CCT عضو الجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير ASTD