المدينة بائسة ، مرهقة ، وربما أصابها مايشبه الخواء ، والحزن ، والبلادة . الشوارع خالية تماماً ، أو شبه فاقدة للحياة ، والنبض في كل مفاصل تكوينها ، وتفاصيل عيشها . الناس ، ومظاهر حياة المدن بصخبها ، وشهية الناس إلى اصطياد لحظات من المتعة العابرة كوميض البرق من خلال حديث حميمي ، أو نكتة تحمل إيحاءات لها مدلول عاطفي ، كل ذلك طمسه السكون المفاجئ ، والمحتمل أصلاً في مثل هذا اليوم . إنه يوم العيد . والعيد عندنا حالة من السأم ، والقلق ، واجترار كل الكآبات المرهقة للروح ، والنفس ، والوجدان . تبحث عن معنى العيد ، وتطرح الأسئلة فترهقك الإجابات التي تأتي ولاتأتي ، تقترب من التبرير فتصطدم بعنف وشراسة الواقع المفروض بكل أثقاله ، وممارسات القمع التي تلغي المعنى ، وتحتفظ بالمفردة ، والحالة ، وتفريغ المناسبات من مضامينها ، ودلالاتها ، وما يجب أن تكون عليه الممارسات ، أو ماكانت عليه قبل سنوات وقبل أن تحرّم الابتسامة ، ويُقصى الفرح ، وتكون الفنون الشعبية رجساً من عمل الشيطان . وسفر صوت " الطار " في التجمعات النسائية داخل ساحة الدار في البيت الطيني العتيق حاملا معنى المناسبة ، ومتواطئا مع فضاء الوجد في هذه الصحراء الملهمة ، مسترجعاً التقليد الطلَلي في الوجدان وما يعنيه ، ويشدو بصوت شهي ، مترف ، ومدلل ، وباذخ العذوبة " رقيت في المستقلي ، من نايفات العداما " . كل ذلك أصبح حكايا لاتصدق ، فصوت المرأة عورة ، واللعنة تطاردها من المتكهفين حتى في مصدر رزقها ، وعيشها بكرامة ، وعزة . تبحث عن العيد في فضائنا الاجتماعي بكل شرائحه ، عبر صغاره وكباره ، رجاله ونسائه ، فلا تجد إلا السأم يمضغه الناس ، ويقتاتون في أيامه الملل ، والجنون الذي يفرضه تراكم الزيف ، ولبس الأقنعة ، والشيزوفرينيا التي أصبحت طوعية للأسف عند البعض ، فعبرها تأتي مكاسب ، وامتيازات ، وتتحقق أحلام عجزت عن تحقيقها الأدوات المعرفية ، والفكرية ، والتعليمية ، لأنها عند هذا البعض معدومة تماماً ، فكان هذا الخيار والاختيار أسهل الطرق ، فبالتأكيد أن عمل العقل صعب ، وشاق ، ومضن ، وإن كان هو الذي يصنع المميزين ، ويوصل للحقيقة . يقول المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعي " تعلمتُ من كتابة التاريخ أن المؤرخ يجب أن يبحث عن كيف يلهو الشعب ، إن اللهو يكشف عن نفسية الشعب ، فتاريخ الشعوب مرتبط بطريقة لهوها... " . على هذا التوصيف نحن شعب خارج سياق التاريخ ، فنحن لانبحث عن الفرح الجماعي واللهو في حياتنا اليومية ، فذلك أمر أسقطناه من حساباتنا ، وبحثنا السديمي عنه ، ولكننا نبحث عنه في أعيادنا ، فقط في أعيادنا ، وكفانا قناعة ..!! إذن : ليس مستغرباً أن يرحل السعوديون في كل مناسبة بحثاً عن الفرح ، واللهو من خلال مشاهدة فيلم سينمائي ، أو مسرحية ، أو الجلوس كعائلات في مقهى ، أو حضور مهرجانات لفلكلورات شعبية ممتعة . أيها العيد .. أين أنت ، وأين .. " أربع بناجر في يد المزيون توه ضُحى العيد شاريها .." ؟