تحتفي الكلمة بإشراقاتها مع كل إصدار إبداعي يضيف للكلمة المثقفة، كما تحتفي مع كل معرض للكتاب بحضورها، جاذبة دواخل الإنسان القارئ إلى عالمها، فيستعيد ارتفاعه إلى الحلم والفكر والعلم. وبلا شك، يظل معرض الشارقة الدولي للكتاب، علامة فارقة، أشبه ما تكون بالبوصلة المضاءة بروح لا تذبل، خاصة وأن المعرض استقطب كافة دور النشر العربية والعالمية، على تنوع مطبوعاتها، في جميع المجالات، ومختلف الاهتمامات، وعكس أرقاماً ضخمة في العناوين، وقدم 300 فعالية ثقافية، وخصص للأطفال برامج ومسرحيات وورش متعددة. ومما يزيد الثقة بالشعار "في حب الكلمة المقروءة"، حضور سمو الشيخ الكاتب سلطان القاسمي، ودعمه معنوياً ومادياً، إضافة إلى توقيعه الجزء الأول من كتابه "حديث الذاكرة"، وصدور الطبعة الإنكليزية لكتابه "سرد الذات". أجواء المعرض تفتح الألم على الفرح، فتتشابك الحوارات مع الأسئلة، الاختلافات مع الحرية، فتنبض اللحظات خارج المعتاد، وتخطفك الطقوس إلى المفقود منك، أو من العالم الخارجي، لترى نفسك تجول هنا وهناك، مستطلعاً، أو باحثاً، أو شغوفاً، تائهاً في أعماق لوحات شكلتها الكتب، وأضافت إليها التكنولوجيا أبعاداً أخرى. وبين خطوة وأخرى، بين قاعة وأخرى، يتساقط الزمن الأرضي، ليظهر زمن آخر، يجول معك مثل ظلك، ولا يقطع هذا التقارب أو الابتعاد، إلا المشاهد الحية، وهي تحدثُ في المقاهي الثقافية، والملتقيات الأدبية، والقاعات الأخرى. مع انتهاء المعرض، لا تتلاشى الموجودات، بل تظل أطيافها عالقة في الروح والمكان، تظل الحركة في الحيز اللا مرئي، فتشتعل الملامح، وتنساب المكنونات، وتتمنى لو أنك تمكث نهارات وليال، لتقرأ، وتقرأ، لكن الزمن يتربص بك، فلا يتخلى عنك، ولا يدعك لشأنك.. هل جربت حدسك في قراءة ذاتك، ثم الآخر، ثم الكون؟ لو فعلت، لوجدت كم من الأنوار الغائرة بين أدغالك العمقى، وهي ليست بحاجة إلا إلى لمسة بصيرة لتمحو عنها الغبش، وتعود إلى الإشراقة من جديد. ماذا لو منح كل منا ذاته زمناً مختلساً من الزمن لتقرأ ذاته، ويعمل على تهذيبها أكثر، فيتكاشف ليبتعد عن الضجيج الخارجي، متجهاً نحو البوصلة الداخلية، الصامتة، المنتظرة كما تنتظر الغابات الشمس لتزفّ اليخضور والبراعم والفصول.. ما أجمل أن يجدد الإنسان دواخله فيطهرها من الشوائب، ليتحرر من الشوارد، ويهب تأمله الشرود، وكم جميل أن تجمعه الكلمة الطيبة مع الآخرين في معارض الكتب.