من الواجب الفطري فضلاً عن الموجب الشرعي؛ أن نقدر للمنجزين أعمالهم، كما ننقد المقصرين لإكمال نواقصهم، وما فيه تحقيق مناط المصلحة العامة، وهذا منهج قرآني ونبوي، فهناك الترغيب بالجنة والترهيب من النار، وهناك الحسنات والسيئات، وحيث إنه لا يسلم أحد من البشر من التقصير فقد جعل الشارع الحسنات يذهبن السيئات، وإذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث، وكل هذا في حال ظهور القصور أو التقصير، فما هو البال لو لم يظهر من الحال سوى التاريخ المشرق والإنجازات المتوالية والريادة في المصلحة الوطنية، والرائد لا يكذب أهله، والنفس البشرية قد تتحمل من لم يقدر عملها أو يشكره، لكنها لا تتحمل من يصادر جهدها أو يناكفه. ومن أهم المؤسسات في وطننا الشامخ هيئة الخبراء بمجلس الوزراء التي قامت منذ نشأتها في عام 1373ه بجهود كبيرة لخدمة منظومة الدولة، وما يتعلق بها من أنظمة ولوائح وقواعد عامة، وما تبحثه من معاملات يحيلها إليها رئيس مجلس الوزراء ونائباه ولجان المجلس المتفرعة ودراستها. ومن أهم المؤسسات في وطننا الشامخ هيئة الخبراء بمجلس الوزراء التي قامت منذ نشأتها في عام 1373ه بجهود كبيرة لخدمة منظومة الدولة، وما يتعلق بها من أنظمة ولوائح وقواعد عامة، وما تبحثه من معاملات يحيلها إليها رئيس مجلس الوزراء ونائباه ولجان المجلس المتفرعة ودراستها، وتحضير مشروعات الأنظمة، وإعداد الدراسات اللازمة لها، بالاشتراك مع الجهات التي رفعت تلك المشاريع، ومراجعة الأنظمة السارية واقتراح تعديلها، ودراسة الاتفاقيات والمعاملات التي تتضمن وضع قواعد عامة أو التي تتطلب إصدار مراسيم ملكية أو التي تهم أكثر من جهة حكومية، ووضع الصيغ المناسبة لبعض الأوامر السامية والمراسيم الملكية، وقرارات مجلس الوزراء، ومشاركة الأجهزة الحكومية في دراسة الموضوعات التي ترفع إلى المقام السامي أو إلى مجلس الوزراء، وجميع هذه المهمات تعني المسؤولية الكبيرة في هذا الجهاز، والخطورة التي يتبناها، مما يعني حساسية التعامل معه، ووجوب الاحتياط في الحديث عنه، وعدم التجاوز عليه، والمزايدة على إنجازاته، أو التشكيك في مخرجاته، ولأنه كذلك فقد يسري النيل منه إلى ما وراءه من ثقة ومسؤولية، وإذا كان لا يليق بعموم الناس ارتكاب مثل هذه الأخطاء المتهورة فإنه من الخواص وعلى وجه أخص ممن أنيط بهم المشاركة في أعمال شبيهة بأعمال ذلك الجهاز من حيث التشريع التنظيمي من باب أولى. وقد اطلعت على موقع الهيئة على الإنترنت فوجدت فيه الكثير من المعلومات عنها ومنجزاتها، وتصفحت الأنظمة السعودية التي قامت بها وأدرجتها على صفحتها فوجدتها قد بلغت 227 نظاماً، ومن المعروف أن كل نظام من هذه المنجزات العظيمة يحتاج لجهد كبير ودأب طويل، كما أن الهيئة في فترتها الحالية تعيش أكثر مراحلها حيوية ونشاطاً، وذلك بالنظر لمنجزاتها من الأنظمة، ونشاطاتها في الكثير من اختصاصاتها الحساسة والخطيرة. وللمطلع على التقرير الإحصائي السنوي سيجد الحجم الهائل من المنجزات التي يفتخر بها كل مواطن وطني، ولا يملك إلا أن يقدر هذه الجهود ويشكرها، ويحتفي بمن وراءها، ويدعو الله لهم بدوام التوفيق والإعانة، لا أن يظلمهم أو يبخسهم حقهم أو يزايد عليهم، وليس هناك أصدق من لغة الأرقام والبرهنة بها، ولو أخذنا العام الماضي 1430ه كنموذج على المنجزات، لرأينا خلايا النحل التي تبني لوطننا شمع نظامه وترتيب بيوته، وذلك عبر 35 خبيراً ومستشاراً من علية المؤهلين والقادرين، والذين يجتمعون يومياً عبر اللجان التحضيرية لدراسة ما يعده الأعضاء من مذكرات ومحاضر وأدوات تتعلق بمشروعات الأنظمة والتنظيمات واللوائح والاتفاقيات والقواعد العامة والموضوعات التي تحال إلى الهيئة لدراستها، إضافة للمشاركة في اللجان الداخلية والخارجية، والاشتراك في اللجان شبه القضائية وحضور المؤتمرات والندوات. وبالنظر لإنجاز هذا العام نجد أن الدراسات النظامية وهي الركيزة الأساسية لعمل الهيئة قد بلغت 863 دراسة، وما هذا الرقم الضخم إلا دليل على مستوى الأداء والمنجزات الريادية للهيئة، حيث إن منها 51 مشاريع أنظمة، و52 مشاريع لوائح، و136 مشاريع اتفاقيات، و278 أدوات نظامية، و38 حسابات ختامية وتقارير سنوية، و308 قواعد عامة ودراسات نظامية، وهل بعد كل هذا الانجاز ولسنة واحدة يمكن أن يجازف أي أحد بمصادرة هذه الجهود أو التقليل منها، أم تقديرها والاحتفاء بها والاقتفاء لأثرها؟!. وقد استقبلت الهيئة لهذا العام من الديوان الملكي وديوان رئاسة مجلس الوزراء 35 معاملة، ومن الأمانة العامة لمجلس الوزراء 801 معاملة، ومن المجلس الاقتصادي الأعلى 8 معاملات، إضافة إلى إنجاز 2479 معاملة في الإدارات الداخلية، وقد كان لحصة الأنظمة خلال هذا العام 51 دراسة في الشؤون القضائية والإسلامية والتجارية والمالية والأمنية والأحوال الشخصية والبلديات والعقارات والكهرباء والصحة العامة والإعلام والثقافة والتوثيق والزراعة والبيئة والخدمة المدنية والعسكرية والسياحة والشباب وغيرها، والناظر في هذه المخرجات يفخر بكل وطنية على قدرة الوطن والمواطن في هذا الانجاز، والجميل في الأمر أننا لا نجد الهيئة تصبحنا وتمسينا بذكر منجزاتها عبر الإعلام مع كل هذه الحقائق وما هذا إلا كدليل على نكران الذات والإخلاص والثقة والانشغال فيما ينفع الوطن والمواطنين. كما أن الاتفاقيات الثنائية والخليجية والعربية والإقليمية والمعاهدات الدولية بلغت هذا العام 136 دراسة، وإنني تساءلت بعد إطلاعي على هذه المنجزات عن الجهود الكبيرة التي قدمها رجال الهيئة المخلصون، في حين نجد بعض الجهات تمضي الأشهر وربما السنوات وهي لم تنجز مشروعاً واحداً، كما نجد جهات أخرى تشغلنا بالحضور الإعلامي المبالغ فيه، في حين نسمع قعقعة ولا نرى طحيناً، فنحن في زمن الشفافية والمعلومات وما عاد للتحريف من مكان ولا للتجديف من قبول. فهل يسوغ أن نتجاهل كل هذه المنجزات بلمحة البصر، والتي منها 52 دراسة لمشروعات استراتيجيات وإنشاء هيئات ولوائح وتنظيمات وضوابط وقواعد وتأسيس شركات وترتيبات وإجراءات أخرى؟!. وكم رأينا من يطبل لمن لا يستحق فتغاضينا، ولكن أن نرى من يصادر حق من يستحق، فهنا لا يجوز السكوت، ويجب الذب لمصلحة الوطن وخدمة المواطنين، فهل يسوغ الاعتداء على هيئة قدمت كل هذا الجهد، ومنها 38 دراسة لحسابات ختامية للدولة والوزارات وتقارير سنوية للمؤسسات العامة والهيئات، وكل هذه القدرات والإمكانيات والنتائج لا يقبل أي مخلص في هذا الوطن أن يتم شطبها بمجازفات غير حقيقية، فالمكتسبات الوطنية خط أحمر لا يقبل المساس بها، ولا يعني هذا الحرمان من نقدها الموضوعي المدلل بالبينات والزبر، لا بالدعاوى المجردة والمزاعم المطلقة. والذي دعاني لواجب كتابة هذا المقال ما رأيته في صدر هذه الصحيفة يوم الأربعاء الماضي من قيام أحد أعضاء مجلس الشورى باتهام هيئة الخبراء بأنها تحبس في أدراجها عشرات مشاريع الأنظمة سنين عديدة!، وأنها بلغت 39 مشروعاً صادراً من مجلس الشورى منذ إنشائه ولم يقرها مجلس الوزراء، ولمعرفتي بمثالية الهيئة وعملها النموذجي؛ فقد استغربت هذا التصريح، وسعيت باحثاً عن الحقيقة بصفتي الوطنية، فتفاجأت بأن هذه المعلومات غير صحيحة، واتهام الهيئة بذلك غير دقيق، ولا يعني عدم إصدارها بأنها موجودة عند الهيئة، فقد تكون الهيئة أنجزتها ورفعتها لصاحب القرار، ولكنه ارتأى أمراً غير ما رآه مجلس الشورى، ولا يعني أن كل نظام يرفعه المجلس لابد من إقراره، فهذا ليس واجبه كما أنه ليس من حقه، وإنما هو شريك في السلطة التنظيمية، ومن المعروف أن هناك آليات معتادة لمن أراد الاستفهام عن سبب ذلك عبر القنوات الرسمية وليس عبر الجلسات العلنية أمام الإعلام والتي لا تحقق المصلحة الوطنية، وقد اطلعت على رد الهيئة في صدر هذه الصحيفة يوم السبت الماضي الذي تضمن وضع النقاط على الحروف وكشف الحقائق، حيث نفت الهيئة كون هناك أنظمة حبيسة في أدراجها، وجزمت بذلك، بل واستغربت صدور مثل هذه الدعوى بلا بينة من عضو شورى، وأبانت أن هناك أنظمة صدرت بموجب مراسيم ملكية وعمل ببعضها منذ سنين، فهل يليق هذا الاتهام ممن يفترض منه العلم بمقتضيات المهنية؟!. والنتيجة أنه ليس لدى الهيئة من تهمة 39 مشروعا سوى مشروعين نظاميين وردا إليها هذا العام ولا تزال اللجان المختصة تعقد اجتماعاتها الدورية لدراستهما بمشاركة ممثلي الجهات المعنية بهما، والغريب في الأمر أنني لاحظت بأن عضو الشورى ذكر بعض الأنظمة التي يدعي وجودها حبيسة في أدراج الهيئة، ووجدت منها مشروع نظام الأسماء التجارية، في حين أن هذا النظام قد صدر منذ عام 1420ه، وكذلك غيره من الأنظمة التي إما تكون قد صدرت، أو أن الشورى نفسه رأى عدم الحاجة إليها كنظام مصانع الألبان، وتكوين هيئة وطنية تعنى بالغذاء والدواء، وقد أنشئت الهيئة بفضل الله ورأينا اليوم فوائدها الكبيرة، كما أن هناك أنظمة صدرت من الهيئة للجهات المختصة لاستكمال إجراءاتها النظامية. ثم أما بعد: فهل نأخذ الدروس في أنفسنا، ونقدر جهد غيرنا ممن جد واجتهد لخدمتنا؟!. والله من وراء القصد.