الإحصائيات الموثوقة التي نقرؤها حول واقعنا حقائق ينبغي أن ننطلق منها في تطلعاتنا المستقبلية. وبين الإحصائيات ذات المصدر الموثوق، تلك التي طالعتنا بها الصحف هذا الشهر (ذو القعدة 1431ه)، فقد ذكرت ما ورد في حديث مدير إدارة العلاقات العامة في صندوق المئوية، أمام مُلتقى (تمويل المشاريع الصناعية بدول مجلس التعاون الخليجي). إذ قال المتحدث إن هناك ما يقرب من (877) ألف سعودي عاطلون عن العمل؛ وأوضح في الوقت ذاته أن المملكة من أكثر الدول في الزيادة السكانية على المستوى الدولي. ولعل المعنى المُستخلص من ذلك أن عدد العاطلين مُرشح للزيادة في المستقبل، إن لم يتم توفير وظائف لهؤلاء العاطلين. ولا شك أن للبطالة خسائر مُتعددة، منها خسائر مُباشرة وأخرى غير مُباشرة، ومنها أيضاً خسائر شخصية لأصحاب العلاقة من العاطلين، وأخرى خسائر عامة يتأثر بها الجميع، على مستوى المُجتمع والوطن بأسره. فمن بين خسائر أصحاب العلاقة من العاطلين فقدان الدخل وتجميد تحقيق الذات، ومن بين خسائر المُستثمرين فقدان الأرباح التي كان يُمكن الحصول عليها في حال تشغيل العاطلين، وتفعيل إمكاناتهم. ويُضاف إلى ذلك تداعيات الحاجة التي يُعانيها العاطلون، وقصور القدرة على تطوير المجتمع وتحقيق تقدمه. وإذا كان حل أي مُشكلة لا يتطلب الانطلاق من توصيف خصائصها فقط ، بل من دراسة البيئة المحيطة بها، لاستيعاب جوانبها المُختلفة والعمل على تقديم الحلول، فإن البيئة المحيطة بمشكلة البطالة عندنا لا تدعو إلى التشاؤم، بل إن في معطياتها عوامل إيجابية تدعو إلى التفاؤل وتُبشر بالخير. لكن هذا التفاؤل ليس مطلقاً فيترك الأمور على عواهنها، بل هو تفاؤل يحتاج إلى توجيه الإمكانات وتوظيفها من جهة، وبناء ثقافة العمل في المُجتمع من ناحية ثانية. في الإمكانات المُتاحة لدينا بين أبنائنا مُؤهلون في شتى المجالات التقنية الحديثة، وعلى مُختلف المستويات؛ ولدينا أيضاً الطامحون إلى التعلم والتدريب والاستزادة من المعرفة والخبرة. ويُضاف إلى ذلك أن لدينا أيضاً إمكانات استثمارية، سواء تلك المرتبطة برجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال، أو تلك ذات العلاقة بالشراكة مع البنوك وتمويل المشروعات الواعدة. ولنا في إطار هذا التمويل مثال مُشرق قدمه الدكتور محمد يُونس في بلاده بنجلاديش، حيث منح قروضاً بسيطة لتمويل مشاريع صغيرة نجحت في تحويل عدد كبير من العاطلين عن العمل إلى أصحاب أعمال، وأثّرت تأثيراً إيجابياً في المجتمع، وجلبت لصاحب الفكرة جائزة نوبل المتميزة دولياً. كما تعددت المبادرات التي استوحت النجاح من تلك الفكرة. في إطار ثقافة العمل هناك نظرة اقتصادية تقول: إن بين العاملين نوعين؛ نوع يعتمد على الأجر الذي يتقاضاه من خلال ما يُؤديه من أعمال لصالح آخرين، ونوع يعتمد على الأرباح التي يجنيها من عمله ومن تشغيل الآخرين في إعطاء مُنتجات أو تقديم خدمات ذات قيمة وتلقى استجابة السوق. النوع الأول (مُنفذ) ويحتاج إلى تحفيز، ناهيك عن التأهيل والخبرة؛ والمطلوب منه الالتزام في أداء واجباته؛ والمطلوب له الأجر المُناسب أيضاً. أما النوع الثاني (فموجّه)، فهو صاحب العمل، ويرتبط تحفيزه وتفعيل دوره بالسوق والقدرة على المنافسة فيه، إلى جانب التزام العاملين معه واستجابتهم للمتطلبات وتجددها المُستمر. ولعلنا نتوقع من الطامحين في العمل بالقطاع الخاص ألا يقوموا بدور (المنفّذ) فحسب، بل بدور (الموجّه) أيضاً. وإذا تمكن بعضهم من تحقيق ذلك، فإن في ذلك خيرًا كبيرًا لأنهم سيأتون (بمنفذين) للعمل معهم، ليسهموا بذلك في الحد من البطالة. وبالطبع فإن للجامعات دورا مهما في تشجيع خريجيها، وتزويدهم بالمعرفة اللازمة كي يكونوا(موجهين ورواد أعمال) في المجالات التقنية الواعدة.