يقول أحد الشعراء العرب: "لا يوجد شيء جديد يُمكن قوله، هناك فقط أساليب جديدة لقول الأشياء المكررة والقديمة"، ولعل هذا الرأي يصدُق إلى حد كبير على قصائد (المنقيّات) التي أسهم تنظيم مسابقة الملك عبدالعزيز السنوية لمزاين الإبل في أم رقيبة في ولادتها ووصولها إلى درجة عالية من النضج والإتقان خلال سنوات قصيرة لا تتجاوز أصابع اليد. فقصيدة المنقية مزيج متناغم ومُنسجم من مواضيع أو أغراض قديمة قِدم الشِعر نفسه، حيث تجمع في بنائها بين وصف الإبل والتغني بجمالها وكذلك المدح لصاحب الإبل لاجتهاده وحرصه على انتقاء واقتناء هذه الإبل الثمينة، إضافة إلى وصف الطبيعة وتصويرها، وكُلما استطاع الشاعر الموازنة بين جميع تلك الأغراض دون أن يطغى أحدها على الآخر بشكل مُخل كلما كان بناء قصيدته مُحكماً وتمكن من تحقيق الهدف الذي من أجله نظم قصيدته. إلى جانب تركيب القصيدة يُلاحظ بأن قصائد المنقيات قد ارتبطت بالأداء الصوتي والإنشاد بحكم دورها الرئيسي في التحفيز وإثارة الحماس للمنافسة وتحقيق المراكز المُتقدمة، لذلك فإن القصائد التي تأتي على البحور القصيرة والرشيقة أو التي تؤدى بألحان سريعة وتطريبية هي التي تكسب الإعجاب في الغالب، أما تلك التي تتم تأديتها بطريقة بطيئة أو عادية فلا تحظى بكثيرٍ من القبول بين المتلقين. الأمر المُهم في هذا الحديث السريع عن قصيدة المنقية هو التأكيد على أن ولادتها من رحم محفل كبير يحظى بعناية كبيرة من قِبل الدولة كمهرجان الملك عبدالعزيز لمزاين الإبل هو الذي شجع الشعراء على التنافس المُثمر في كتابتها، ومكنها من الوصول إلى النضج السريع والوصول إلى قلوب الناس سواء من مُحبي الإبل أو من غيرهم، وهو الذي دفع شركات الإنتاج الصوتي والتوزيع أيضاً للتنافس في إصدار قصائد المنقيات في إصدارات خاصة تلقى نجاحاً كبيراً. وأجزم أيضاً أن السبب الذي يجعل الشعر الشعبي يواصل نجاحه وتوهجه يوماً بعد يوم هو قدرته الفائقة على التجدد والعطاء وملامسة الواقع، أما الذي أدى لانصراف الناس عن الشعر الفصيح فليس هو زيادة الاهتمام بالشعر الشعبي كما يوهمنا بعض الكتاب، ولكن السبب الحقيقي هو أن القصيدة الفصحى لا زالت تلد بعمليات قيصرية أو مُتعسرة في الغالب، فتأتي مشوهة ولا علاقة لها لا بالواقع ولا بالخيال أيضاً، وبالتالي فمن الإجحاف أن يجتر بعض الكتاب تهمة إضرار الشعبي بالفصيح بمناسبة وبدون مناسبة..! أخيراً يقول الشاعر الكبير عبدالله بن زويبن: خلّك شمالي عند زلة قرايبك وعلى الحقوق إليا نصنّك حجازي للضيف والجيران ليّن جوانبك وبالطيب جاز، وبالردى لا تجازي