** هناك مثل «مكاوي» يقول: - «يلقط اللقمة من فم القدر»..!! ومن صياغته نجد أنه «ابتكار» نسائي.. جاء تحديداً عن «الخدم» و«الصبيان» أو ربما «العبيد» حين كان هناك «رق»! فالسيدة تنادي «الخادم».. الذي يكون على عجل من أمره.. فتقول: «روح لستك فلانة وقلها تقول ستي..» فيهمُ الخادم بالذهاب قبل أن تتم كلامها.. غير أنها تصرخ به: - استني يا واد.. لا تلقط اللقمة من فم القدر.. خليني اكمل كلامي..! وطبعاً «لقط اللقمة» بتلك الطريقة يعني.. شدة سخونتها.. وعدم اكتمال نضجها.. مما يؤدي لعدم استساغة أكلها.. وعدم رضى طابخها.. فدرج المثل عن «المستعجل» الذي لا يحسن الاصغاء أو الانتظار.. ولا يعطي نفسه الوقت الكافي للفهم والاستيعاب.. كجميع أبناء هذه الأيام الذين يريدون كل شيء في وقت واحد.. ورغم أن «لاشيء» يشغلهم إلا أنهم على عجل.. كأن لا وقت لديهم لانتظار حدوث «كل شيء» في حينه.. ولا تدري ولا يدرون «لماذا»؟ كأنما الحياة بالنسبة لهم ليست سوى مجموعة من «الوجبات السريعة». وكان هذا شأني دائماً..!! هل تغيرت..؟؟ مازلت غير أكيد من هذا..!! كنت اكتب «أي كلام فاضي» وأبادر بتصوير ما كتبت.. وبالاتصالات وتوزيع نسخ.. لا أدري لماذا.. لأنني في النهاية.. ووقت «الله الله» اكتب وأنشر شيئاً مختلفاً تماماً عن ذاك الذي صورته ووزعته.. ولم أكن أعول كثيراً على نقد محمود تراوري الذي كان يقول: - «ليس لديك شيء خاص.. فأنت تصور وتوزع كل ما تكتب». لم أتعلم «الركادة» نوعاً ما.. إلا من ابني فاروق.. فبالرغم من النقد القاسي من زوجتي وأبنائي «الكبار» على تسرعي.. وتعجلي.. ونزقي.. إلا أنني لم أتعلم من «النقد» شيئاً.. فقط من خلال «صحبتي» لفاروق «تعلمت». كان في سن الخامسة عندما أخذته.. وذهبنا ل«القاهرة» وحدنا.. رأس لرأس.. وهناك تحدثنا.. رجل لرجل.. وزرنا أماكن لم أكن أفكر في زيارتها وحدي.. وصدنا السمك على «النيل» رغم اني لا أكره شيئاً أكثر من «الصيد» والانتظار لوقت طويل على أمل أن يأتي الذي لن يأتي.. جل ما في الأمر أنه كان يراقبني مع «اصدقائي».. ولشد ما يدهشني انه كان لا يستسيغ صحبتي للبعض ويحذرني من البعض غير عابئ بتعنيفي له وأنا أقول: - تنصح ابوك أنته ما تستحي.. أش يفهمك بالناس.. هذولا اكبر مني ومنك..!! ولم يكن يدهشني قوله: - بصراحة يابويا.. انت طيب.. وغشيم!! فيضحك وأنا اقول: - انت أصغر حمار شفته في حياتي..! بعد سنوات قليلة من رحلتي تلك.. وبعد أن اثبتت التجربة صدق «حدسه» تجاه من عرفت.. ومن أعرف.. ومن كنت أصر على التواصل معهم والتقرب منهم.. جاءت اللحظة التي وجدت نفسي فيها مدفوعاً للاستنارة براية من موقع الصديق للصديق.. و: - تعال يا فاروق.. شفت كيف.. ضحك قبل أن اتم كلامي.. وقال: - قلت لك يابويا من زمان.. أنته طيب وغلبان ما صدقتني. تساءلت بفضول: - وبعدين..!! واصل الضحك بسخرية وقال: - أنته سويت احسن حاجة يمكن يسويها إنسان..!! قلت بدهشة: - كل اللي سوه فيا وتقول أحسن حاجة. قال بمنتهى الجدية: - أيوه يا بويا.. دحين كلهم يعتقدوا أنهم يعرفوك.. وانك أنته زي ما يعرفوك وما عندك شيء ثاني.. وهذي أحسن حاجة. قلت مستوضحاً: - هات فهمني. قال بما يشبه نفاذ الصبر: - يا بويا الله يخليك.. اللي يعرفه أصحابك واحد.. واللي أعرفه واحد تاني.. يعني انا أعرف الاثنين أصحابك يعرفوا كاتب القصة.. وأنا اعرف ابويا.. وهيا دبرها يا عم باخشوين وقل لي من يكسب..!! تصنعت الفهم وقلت: - قوم من خلقتي.. ما ناقص إلا أنته تتفلسف عليا..!!