صناعة النمو والتنمية عملية لاترتبط بالدولة ومؤسساتها فقط ، وليست مسؤولية نحصرها في القرار السياسي ، وخطط الدولة ، وبرامجها . وإنما هي شراكة بين الدولة والمواطن، وإذا ما حدث تباطؤ في العطاء من أجلها فإنها تتعثر ، وربما يصيبها الشلل فلا تستطيع الخطو نحو الأهداف والغايات ، ولهذا يعيش الوطن في حالة من التخلف ، وعدم متابعة المستجد في التحول والتطور ، وصياغة التحديث . وإذا كانت الدولة عبر مؤسساتها راغبة وبشكل واضح وصريح في صناعة النمو والتحديث على كل الصعد التنموية ، فإن الإشكالية الكارثية تكمن في أن بعض الموظفين في القطاعات الحكومية يفهمون الوظيفة على أنها استرخاء وتبلد ، بمعنى بطالة مشرعنة ، وذلك نتاج ثقافة بليدة ومتخلفة بأن الوظيفة حق مكتسب ومشروع أما واجباتها ، ومفاهيمها الإنتاجية فذلك شأن آخر لاعلاقة له بمعنى الانتماء ، وما هو مطلوب من " المواطن / الموظف " من تعب وإتقان وحرص يصب في مجرى الإنتاج الذي هو المدماك القوي في عملية التنمية ، وصياغة الوطن على أسس متفوقة تأخذه إلى قمم الحضارة ، والإسهام في رقي الإنسان ، وتكريس ثقافة السلوك والممارسة ، واحترام الأنظمة والقوانين وآداب التعامل مع الناس ، والمقتنيات ، والإنجازات . في بعض الدوائر والمؤسسات الحكومية المرتبطة بخدمات الناس أضيف إلى الدوام الرسمي ساعات أخرى غير المقونن ، بحجة إنهاء معاملات المراجعين، وهذا خلل كبير جدا في العملية الإنتاجية ، إذ ليس المطلوب عدد ساعات العمل بقدر ما يكون المطلوب كيفية وكمية الإنتاج التي يقوم بها الموظف ، ومدى الوقت الذي يستغله في أداء واجباته الوظيفية ، والوقت الذي يهدره قصداً وطوعاً في أمور لاتتصل بالعمل ، ولاتنتمي إلى الوعي والفهم الوظيفي . أتذكر أن هيئة الرقابة والتحقيق أجرت قبل سنوات دراسة تمحورت حول إنتاجية الموظف الحكومي ، وكانت النتيجة محبطة ، إن لم نقل كارثية ، إذ تبين أن الانتاج الحقيقي للموظف لايتعدى حوالى ثلاث ساعات ، أما الباقي فهو وقت مهدر بين التأخر عن الدوام الصباحي ، والانصراف قبل الدوام ، ومابينهما خروج لقضاء حاجيات خاصة كإحضار الأبناء من المدرسة ، أو متابعة شأن خاص ربما يكون تجارياً . أو نحو هذا، وهنا يكون من الطبيعي أن تتلاشى الانتاجية وربما تنعدم ، ويحبط المواطن، وتتراكم مصالح الناس بحيث يكون التذمر ، وإحباط خطط وبرامج الإصلاح وأهداف التنمية. إذن : التنمية عملية تكاملية ، يجب أن نستشعر واجباتنا فيها جميعاً ، ونعمل بأقصى طاقاتنا، وجهودنا ، وإمكاناتنا لتحقيق وإنجاز أغراضها، والموظف الحكومي هو أول من يعنيه هذا الكلام .