الأمومة تسبق الأبوة في رعاية الطفولة، ثم تأتي رعاية الأبوة لمرحلة المراهقة.. لكن الإنجليز جعلوا رعايتهم الأبوية هي السابقة الأولى في عمر طفولة ميلاد الدولة الإسرائيلية، عندما كانت بريطانيا هي الدولة العظمى الأولى في العالم، خصوصاً بتعدد امتداداتها في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الكبرى، ولم تكن هناك قوة محلية شرق أوسطية قادرة على فرض استقلالية عربية.. أتى ميلاد إسرائيل ليس بفاعلية محلية يهودية؛ ولكن بتوافد نازحين معظمهم من أوروبا.. وكأن ذلك الميلاد - أو هكذا أعطى التصور عنه - عملية تعويض إنسانية لما قيل إن اليهود عانوه من تعسّف معاملات وقسْوة محاصرات.. الوضع فاضح للغاية، فحتى الذين تولّوا مناصب قيادية بينهم مَنْ أتى من شرق أوروبا أو ألمانيا أو روسيا أو مستورد من وسط أفريقيا حتى يكون هناك عدد سكاني مقارب للعدد الفلسطيني.. ومن المخزي أن الحروب التي خاضها العرب ضد المراهق الإسرائيلي في فلسطين لم تكن حروب قدرة بقدر ما كانت حروب استعراضات، وإلا كيف تُهزم مجموعة دول في الحرب الأولى أمام دولة واحدة لم يُعترف بها بعد.. ثم كانت الحرب الثانية أكبر برهان على رداءة الكفاءة العسكرية العربية - قيادياً - فيما سمّاه الكاذب العربي محمد حسنين هيكل ب «النكسة»، لكن كاد السادات أن يصحّح القدرة العسكرية لولا تدخّلات توجيه أمريكية أنقذت القوات الإسرائيلية في سيناء.. لسنا في استعراض حروب، ولكن في استعراض رعايات، فبعد التأسيس البريطاني لوجود إسرائيل.. حتى لا يخلف الحضور العثماني الإسلامي حضور عربي إسلامي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.. بعد ذلك التأسيس أتت الأمومة الأمريكية للوجود الإسرائيلي بإسراف غير معقول بقبول كل وحشيات التعامل الإسرائيلية ضد التجمعات السكنية الفلسطينية، وأن تلغى تماماً أهمية أي تأثير لأب ينحني على ابنه المرعوب كي يعزله عن الرصاص، ثم يموتان معاً، أو جزء من حي سكني تشارك الحجارة والرصاص في إبادة ساكنيه، ولا تجد في ذلك أمريكا مبرراً للتدخل مثلما زعمت أنها أرسلت جيشها للعراق كي تلغي وجود أسلحة غير مشروعة، وهذا غير صحيح، أو بتورطها في أفغانستان.. والمضحك للغاية.. للغاية.. عندما نراقب كثافة عواطف الأمومة التي تحتضن بها أمريكا عدوانيات إسرائيل هو تأملنا لأسباب رفضها أن تكون إيران دولة نووية، بينما هي تعرف أن إسرائيل فعلت ذلك قبل إيران بسنوات طويلة.. إذا كان المطلوب إلغاء السلاح النووي الإيراني.. وهذا صحيح.. فإن الأكثر خطورة على المنطقة هو نووية إسرائيل.. أمومة واشنطن لتل أبيب جعلت محادثات السلام مخزية.. إذ كيف يجوز التطلع إلى سلام جوار بين دولتين، فيما إحداهما تجدّد مستوطناتها عند الأخرى.. لو تعلم إسرائيل أن أمريكا سوف تتحوّل عن دعمها وحمايتها، ولو بنسبة عشرة في المئة، لركضت هي نحو السلام قبل الفلسطينيين.. الخلاصة.. أن الرؤية الأمريكية إلى إيران أنها خطورة مستقبلية على مصالح أمريكية في المنطقة هي مهمة أمريكية.. ولكن بما أن الواقع الإسرائيلي هو خطورة على كل جوارها العربي فليس له أهمية أمريكية..