"أنا المسؤول الأول عن الخسارة"..إنها العبارة التي أصبحت كلزمة لا تكاد تفارق لسان أي مسؤول رياضي عند أي إخفاق، إلى حد أن غالبيتهم صار يتعاطى معها بطريقة سمجة ومبتذلة بل ومُفرَّغة من قيمتها الحقيقية، إذ لا يعقب دائما الاعتراف بالمسؤولية أية خطوة أخرى تليها، حتى بدت للجميع وكأنها مجرد مراوغة إعلامية للهروب من مأزق الخسارة وورطة الإخفاق. آخر من استخدم هذه العبارة هما رئيس الهلال الأمير عبدالرحمن بن مساعد، ورئيس الشباب خالد البلطان، وذلك على إثر إخفاق فريقيهما في العبور للمباراة النهائية لدوري أبطال آسيا، إذ تحطمت أحلام الهلاليين على صخرة ذوب آهن الإيراني، وتبخرت طموحات الشبابيين على يد سيونغنام الياباني، حينما خرجا على يديهما من الدور نصف النهائي للبطولة؛ ليتحول أملهما في جعل نهائي القارة الصفراء سعودياً إلى سراب. رئيس الهلال أكد في تصريح نقلته القناة الرياضية السعودية في أعقاب صدمة الخروج من البطولة على تحمله للمسؤولية، مشيرا إلى أنه سبق وقال قبل المباراة بأنه إذا حصل أي إخفاق فسيتحمل مسؤوليته؛ من أجل "قطع الطريق على من بدأ يعد الأشياء التي قامت الإدارة بها ". داعياً مجلس أعضاء الشرف لاختيار رئيس بديل عنه ليتولى المهمة في قادم الأيام. ولم يكتف رئيس الهلال بذلك إذ قال: "أنا أتحمل المسؤولية لأنني الرئيس. لقد عملت كل ما أعتقد أنه الصحيح، وعملت كل ما أستطيع عمله، وأعطيت كل ما عندي؛ لكن النتائج لم تأت كما أريد وتريد الجماهير الهلالية". وأضاف: "أنا حزين للجمهور الذي خرج من المباراة، ولذلك فإن أقل شيء من الممكن أن أفعله احتراماً لحزن الجماهير أن أقدم استقالتي". قبل ذلك بسويعات قليلة كان رئيس الشباب يطل على أنصار فريقه خصوصاً وأنصار الكرة السعودية عموماً من ملعب المباراة في كوريا الجنوبية والذي شهد سقوط الشباب المدوي، وذلك وعبر قناتي (السعودية الرياضية ) و(الجزيرة الرياضية) معلناً تحمله للمسؤولية؛ في وقت كانت أصابع الجميع تشير بالاتهام نحو المدرب الأروغوياني خورخي فوساتي، معتبراً إعلانه عن مسؤوليته شجاعة يفرضها عليه جلوسه على رأس الهرم الإداري في النادي. وقال في تصريحه: "أنا كرئيس مجلس إدارة أتحمل المسؤولية، فأنا من أتيت بفوساتي، وأنا من يتحمل المسؤولية، وإذا كان هناك أحد يمكن أن يتحمل أي شيء فهو أنا". وأضاف: "بكل شجاعة أعلن مسؤوليتي عن الخسارة، والخروج من الآسيوية، او حتى عدم الفوز بالبطولة.. أتحملها بدون شك كرأس الهرم". هذا ما قاله البلطان، وذلك ما قاله الأمير عبدالرحمن بن مساعد، إذ لا فرق بين التصريحين من جهة إعلانهما عن تحملهما للمسؤولية؛ بيد أن الفرق بيِّن وجلي من جهة أن البلطان لم يربط اعترافه بالمسؤولية بأي تبعات أخرى، في حين ربط الأمير عبدالرحمن مسؤوليته عن إخفاق فريقه باستقالته. معتبراً ورقة الاستقالة أقل شيء يقدمه احتراماً لجماهير ناديه التي كانت تمني النفس باللقب الآسيوي الكبير، وفضلا عن ذلك فإن رئيس الهلال التزم بما ألزم به نفسه، حين أكد قبل ساعة الصفر بأنه سيتحمل مسؤولية أي اخفاق يحدث، عدا عن أنه قال في تصريحه الأخير "إننا اتخذنا قرارات وربطناها بالنتائج، والجماهير لا ترضيها إلا النتائج"، وفي ذلك اعتراف واضح بأنه لم يحقق الهدف المنشود، كما لم يحقق ما وعد به، على الرغم من تلبيته لكل متطلبات تحقيق الهدف، وهو الظفر باللقب الآسيوي والعبور لبطولة العالم للأندية تحت ما يعرف في معادلة العمل الإداري بثنائية الوسيلة والهدف؛ ولكن وكما قيل قديما "ما كل مجتهد مصيب"، ومع أن الأمير عبدالرحمن بن مساعد ظهر في تصريحه مؤمناً بأن من حدث لا يعدو كونه قدراً من رب العالمين، إذ ظل يردد الحديث الشريف "قدَّر الله وما شاء فعل" إلا أن ذلك لم يمنعه من التأكيد أكثر من مرة على مسؤوليته واستقالته كأثر مترتب على هذه المسؤولية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سبق أي من المسؤولين الرياضيين بل وغير الرياضيين الأمير عبدالرحمن بن مساعد في الاعتراف بالمسؤولية ومن ثم ربطها بالاستقالة، وحتى لا يتم الجنوح بعيداً فإن الراصد للمشهد الرياضي السعودي سيجزم بأن أحداً لم يسبقه إلى ذلك، وعلى غير صعيد، وبذلك يكون رئيس الهلال قد أسس بقراره ثقافة جديدة في الوسط الرياضي، هي تلك الثقافة التي تقوم على الاعتراف بالمسؤولية وبناء أثر على تلك المسؤولية، وليس هناك أصدق من تقديم الاستقالة. لقد كان بمقدور رئيس الهلال أن يعلق مسؤولية الخسارة القاسية والخروج المر من الاستحقاق الآسيوي على عاتق المدرب غيريتس كما جرت العادة؛ وحيث إن بقاء المدرب البلجيكي كان قراره على الرغم من توقيعه لعقد آخر مع المنتخب المغربي، وهو ما قد يضعف حجته حينها، فقد كان باستطاعته الاستدارة بأصبع الاتهام إلى حيث اللاعبين؛ خصوصاً وأن ثمة إجماعاً بأن اللاعبين كانوا رأس الحربة في ما حدث يوم (الأربعاء الأسود) نظرا لسوء أدائهم، وضعف عطائهم؛ لكنه أظهر شجاعة متناهية وغير مسبوقة بإعلان تحمله للمسؤولية وردفه لها بقرار الاستقالة، وهو ما يقطع الطريق على من اتهمه بممارسة سياسة الهروب للأمام، أو المناورة من خلال إعلان الاستقالة بهدف قطع الطريق على منتقديه. إن ما فعله الأمير عبدالرحمن بن مساعد عدا عن كونه تأسيساً لثقافة جديدة لم يعتدها الوسط الرياضي السعودي، فإنه بذلك يرمي حجراً كبيراً في بركة العمل الإداري الراكدة، ويفتح أبوابا لطالما ظلت مغلقة، حيث إن الشارع الرياضي لن يقبل بعد هذا اليوم بأي تبرير عند أية إخفاق، وسيظل يربطه بحتمية تقديم الاستقالة كتكفير عن الفشل في تحقيق الأهداف، وإن حدثت الاستقالات حينها أو لم تحدث، فإن من حق الرياضيين أن يتذكروا حينها الأمير عبدالرحمن بن مساعد وأن يرددوا: "وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر". الأمير عبدالرحمن بن مساعد