يعيش الباحثون عن عمل خاصة من فئة الشباب معاناة ليس لها حدود. وهم في حقيقة الأمر ضحايا التربية في البيت والتعليم في المدرسة، وضحايا المجتمع الذي زودهم بأفكار مغلوطة عن الحياة والناس والمستقبل. فالكثير من الأسر تفتقر إلى الفكر المنطقي المعقول عند بناء الأسرة وعند تربية الأبناء. ما هو رأيك بأب متزوج من ثلاث نساء وهو مدرس ابتدائي متقاعد وراتبه لا يتجاوز سبعة آلاف ريال، وعدد أفراد أسرته 18 شخصا. كيف يستطيع الصرف عليهم؟ وكيف يستطيع توجيههم ليتزودوا بالمهارات التي يحتاجها سوق العمل، حتى لا يصبحوا عالة عليه وعلى أنفسهم؟ هذه حالة أعرفها، وقد يقول القارئ أن هذا الأب ليس النموذج السائد في المجتمع. وقد يكون هذا القول صحيحا، لكن ما هو رأيك بأب لديه زوجة واحدة و8 ما بين أبناء وبنات، وهو من أصحاب الدخول المحدودة جدا؟ وهذا نموذج سائد، كيف يصرف عليهم وكيف يوجههم ويؤهلهم لكسب الرزق؟ ثم ما هو رأيك بأب ميسور الحال يوفر لأبنه جميع وسائل الراحة من سيارة وتلفون جوال ومصروف شهري ويتركه بعد أن أنهى المرحلة المتوسطة أو الثانوية ينام في البيت دون أن ينصحه بالحصول على مؤهل خاص بمهنة تكون مصدرا لرزقه، ودون أن يحثه على التزود بمهارات الحاسب واللغة الإنجليزية واللتين أصبحتا شرطا رئيسا للحصول على عمل في هذا العصر؟ أما تأثير المدرسة على الطالب فيظهر واضحا أثناء مقابلات التوظيف التي تجرى للشباب الراغب في العمل. لقد اشتركت مؤخرا في بعضها واكتشفت حقائق لم أكن أتصورها. فعندما يتقدم شاب سعودي طالبا عملا و تسأله أثناء المقابلة ما هو نوع العمل الذي يريد ؟ فيقول: أي عمل لا يهم. ثم تسأله ما هي المهنة التي تجيد أو التي ترغب في إجادتها؟ فيفاجئك بقوله لا أفهم ما تقصد بالمهنة، يصبح مثل هذا الشاب باحثا عن ضمان اجتماعي و ليس عملا. مثل هذا الشاب لم يقدم له أثناء دراسته التوجيه اللازم حتى يعد نفسه ويستغل طاقته، وقد ضاعت عليه سنوات العمر دون أن يهيأ لكسب الرزق، لذا هو يعيش ضياعا فكريا ونفسيا، ناهيك عن الحاجة التي تفقد الإنسان ماء وجهه، وتجعله يعيش في حالة ضعف وهوان. إن هذا الشاب الحاصل على الثانوية العامة أضاع سنوات العمر في دراسة مواد لا تخدمه في الحياة ( جغرافيا –تاريخ – وغيرها ) ، دون أن يتعلم كيف يفكر بطريقة منطقية متوازنة، ودون أن يتعلم كيف يفكر فيما يتطلبه كسب الرزق والحياة العملية، ودون أن يتعلم كيف يوجه طاقاته وقدراته ليجيد مهنة تغنيه عن سؤال الناس. إنه نتاج لإخفاق البيت والمدرسة والمجتمع. وهكذا تظهر الحاجة لتحليل قدرات الشباب أثناء سنوات الدراسة وتوجيههم لمهن تتناسب مع قدراتهم ومتطلبات سوق العمل. ما هو الحل؟ إنه يتعين لكي لا يتحول الشباب إلى باحثين عن ضمان اجتماعي أن توجد في كل مدرسة وحدة تكون مسئوليتها تحليل قدرات الشباب وميولهم وتوجيههم إلى تخصصات يمكنهم التزود بمؤهلات بها لتصبح مهنا لهم في المستقبل. ويمكن استخدام اختبارات الشخصية والميول مثل psychometric test وغيره.كما يجب أن تهتم المدارس من المراحل الابتدائية بإعداد الطالب: لتكون لديه مهارات استخدام الحاسب وتضمن ألا يتخرج من المرحلة الثانوية إلا وهو قد حصل على الشهادة الدولية لقيادة الحاسب ICDL. أن تكون لديه قدرة على التحدث والكتابة باللغة الإنجليزية وأن تضمن المدرسة ألا يتخرج إلا وقد اجتاز اختبارا خاصا باللغة الإنجليزية مثل التوفل وغيره. أن يكون مزودا بأخلاقيات العمل كالالتزام و المحافظة على الدوام، وهذا يتطلب أيجاد مادة في المدارس يمكن تسميتها أخلاقيات العمل والتعامل مع الآخرين. وأولا وقبل كل شيء ينبغي إن يكون للشباب السعودي أهداف و طموحات محددة لكي يخرجوا من حالة الضياع. وأنا هنا أطرح ما سبق و أن طرحته في مقالات سابقة و هو أهمية إدخال مادة علم النجاح في المنهج الدراسي من الصفوف الابتدائية فهل من يسمع؟ أنني لن أكون مبالغا لو قلت أن علم النجاح لو درس في الفصول الدراسية بشكل فعال سوف يحل 90% أو أكثر من مشكلة البطالة، فعلم النجاح يعلم الإنسان كيف يفكر بطريقة فعالة، وكيف يحدد قدراته وكيف يخطط لمستقبله الوظيفي، كما يدفعه إلى استغلال الوقت، ويعلمه كيف يعزز قدراته الشخصية وينمي مهاراته. إن علم النجاح يجعل الشاب لا يحتاج إلى ناصح counselor ) )، لأنه يعلمه كيف يفكر وكيف يتخذ قراراته في الحياة بطريقة فعالة وذكية وكيف يسعى لكسب رزقه، بل وكيف يحقق التفوق في تحقيق الأهداف من مهنية ومادية وغيرها. *MSD