تمثل المجالس قديما المنهل العلمي والثقافي للحضور صغارا وكبارا، كما أنها مصدر لنقل الثقافات والخبرات والمعلومات، ومن الأشياء التي كان يتعلم منها الصغار والشباب مجالس الشعر والقصة التي تتخلل مجالس المساء، ومن واقع الاستماع يتعلم الصغير الأوزان والقافية وجودة القصيدة وكيفية صياغة الحدث التسلسلي للقصيدة، إضافة لثقافة القصة وسرد أحداثها، ومع هذا التنوع الثري والتجديد انتقلت هذه الثقافة بالتوارث بين الأجيال، والمتتبع لقصص وسير بطولات صحراء الجزيرة العربية يجد أن بين الشعراء والفرسان من يمتلك ثقافة ومعرفة بمتغيرات الحياة، وهو لم يتعلم ولا يستطيع القراءة أو الكتابة، ومن مخرجات المجالس الشعراء والرواة والفلكيين وغيرهم، ولقد كان لهؤلاء مكانتهم الاجتماعية ويعود ذلك الى أهمية ما يحملونه من ثقافة تمثل في حينها ثروة وهيبة اجتماعية. ومن إيجابيات تلك المجالس تعلم الأدب في الحديث والاستفادة من ما يطرح في معرفة أسماء الديار والأعلام وقصص الصيد ومغامرات الترحال، وأهم من ذلك سير الأبطال وتاريخهم وهذه دروس نادرة يطرحها الكبار بينهم ويستمع اليها الصغار والشباب فتتكون لديهم معرفة وثقافة قد لا توجد في المدارس حاليا، لذا يحرص الآباء قديما على حضور الصغار والشباب هذه المجالس، ولكن وفق أدبيات المجلس وتدرجه. وتعد المجالس ايضا مقياس تقدير وقيمة الأشخاص لدى أصحابها وهذا يأتي من أهميتها لكونها تضم مجتمع التقويم للشخص يقول الشاعر: المجلس اللي ما يقدرك راعيه خلك عزيز النفس مالك وماله لا صار ماحط لجنبك مراكيه تلقى من خيار المجالس بداله وقد يستغرب بعض الأشخاص غياب ثقافة المجالس حاليا وتأثر لغة الجيل وأفكارهم وعدم معرفتهم بالموروث الشعبيي وكثير من العادات والتقاليد الحسنة وسلوم القبائل وغيرها مما كان يحصل عليه الجيل في حقبة مضت، وهذا يعود للتغير السلبي للمجالس، وغياب ترتيب المجلس، وانشغال جيل اليوم بما لا ينفع وعدم الاهتمام بما يقوله كبار السن، الذين هم مصدر التجربة والخبرة، بل هم في الوقت الحالي يجدون المقاطعة والتهكم، وهذا يعد انقطاعا لثقافة نادرة قد تتغير كليا يوما من الأيام.