رفيقة دربي، قابلتها قبل أن أبدأ السير في الدرب، قابلتها قبل أن أتعلم الألف باء، قابلتها قبل أن يكون لي رفاق، عندما بلغت السادسة من عمري، رغبت والدتي (رحمها الله) أن تؤجل دراستي لمدة عام لنبدأ سويا أنا وشقيقتي الأصغر، ولكن رفيقتي لم يرق لها الأمر فاشترت لي دفترا وقلما وأعطتني حقيبتها، وبدأت تمارس مهنة التدريس لتقوم بدور معلمتي لمدة عام فهيأت لي الجو الدراسي في المنزل وبذلت مجهودا كبيرا في تدريسي القراءة والكتابة والحساب وتحفيظي سور القرآن الكريم للصف الأول الابتدائي. في العام الذي يليه التحقت بالمدرسة وكان أثر بنيان وتأسيس رفيقتي واضحا على تحصيلي الدراسي ومضت السنون ورفيقتي تراقب تقدمي وتتابعه إلى أن أنهيت المرحلة الثانوية وجاء وقت الاختيار، كان لرفيقتي دور في اختياري التخصص المناسب حيث شجعتني لمواصلة الدراسة في كليتها (كلية التربية / الأقسام العلمية) حيث كانت تعمل معيدة في قسم الأحياء ولم تكتف بذلك بل رافقتني في جميع مراحل التسجيل بدءا من الفحص الطبي وانتهاء بتسليم الملف لموظفة التسجيل. اعتقدت في حينه أنني وقفت على قدمي وأن عودي قد اشتد وانتهى دور رفيقتي من حياتي ولكنها استمرت على نفس النهج من تشجيعها لي لأكون بعد عدة سنوات معيدة وزميلة لها في الكلية. في كلية التربية / الأقسام العلمية لنا تاريخ جميل سجلناه في كل زاوية من زواياها، فمن هذه البوابة دخلت أول مرة بصحبة رفيقتي، في هذا المكتب سجلتني، عند ذاك المطعم انتظرتني، وداخل المكتبة بحثنا سويا عن الكتب، جدران معملها سجلت جميع شكواي لها من الاختبارات ومن صعوبة أسلوب تلك الأستاذة وغيرها من همومي أو أفراحي حيث كنت اركض لها دائما لتسمعني ودموعي تسبقني، كان معملها ملجأي الذي أحتمي به من صقيع الشتاء أو حر الممرات وأنا أراجع المقرر قبل دخولي للاختبار. تلك كانت مقتطفات سريعة من رحلتي مع شقيقتي الكبرى د. شريفة وشاعرتنا المميزة شمس الأصيل ورفيقتي شوشو، لقد كانت هذه الرحلة من الرحلات الجميلة التي أبحرتها في حياتي لقد أمضيت بصحبة شمسنا الأصيلة مشوارا علميا عمليا ردحا من الزمن، قضيناه بين متعة الرحلة و مشقة الدراسة ومتاعب الحياة ومشاكل العمل والبحث. واليوم كبرت وكبرت رفيقتي وتقاعدت وشاء الله أن أكون أنا من ينهي معاملة تقاعدها واعتمادها لرفعها لصاحب الصلاحية. لم يكن سهلا أن أودع رفيقتي ولكنها مشيئة الله فقد آن للفارس أن يترجل، وقد ترك تقاعدها أثرا كبيرا في نفوس من تعامل معها وعرفها من قرب، فهي ذات القلب الطيب التي تعاملت مع أجيال متعاقبة من دون أن تجرح هذه أو تسيء لتلك.. وهي المعلمة والمربية الفاضلة التي أعطت صورة مشرفة للنزاهة والتواضع والكفاءة والخلق العالي، فقد غرست غرسا طيبا في هذا الصرح العلمي الشامخ، وكان لها دور في تخريج دفعات وأجيال على مدى ثلاثين عاما، تميزت رفيقتي بحسن تعاملها ورحابة صدرها مع الجميع من أعضاء هيئة تدريس وطالبات، وغيرهن من منسوبات الكلية حيث كانت تخاطب الناس بلغة هادئة متزنة والابتسامة لا تغادرها. أختي الغالية، شكرا لك من القلب، لقد أعطيت فأجزلت العطاء، وعزائي في تقاعدك أنك تركت بصمة مميزة في الكلية وكم هائل من الحب في قلوب الجميع، كلماتي لن تفيك حقك فلك منا كل الحب و الوفاء. * عميدة كلية العلوم جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن