تبقى المباني والصروح شاهدةً – في كثير من الأحيان – على حضارات وممالك ودول سادت واستقرت ردحاً من الزمن؛ لتصبح فيما بعد علامة تذكير وإخبار بأحوال الأمم، ويستشهد بها الجغرافيون وهواة التدوين، ويستدل ببقائها المؤرخون وكتاب المغازي والرحلات.. ولأن الجزيرة العربية مهبط الوحي، وأرض العرب، وديوان أجدادهم، ومسرح أمجادهم، ما زالت تحتفظ بمعالمها الأثرية المتعاقبة التي تحكي للأحفاد ما كان عليه الأجداد من الحجاز إلى هجر، ومن اليمن إلى أراضي الهلال الخصيب، فإن مآثرها وأطلالها ما زالت باقية تروى لنا قصص أجدادنا العرب. وإن كان التاريخ القديم للجزيرة العربية أكثر ثراءً وتدويناً، إلا أن في تاريخها الحديث معالم وصروح وآداب وأشعار ما زالت قائمة محفوظة، منها ما تم تدوينه وتوثيقه ومنها ما طاولته يد الإهمال، فضاعت شواهده ومدلولاته. "سد السبعين".. إحدى أهم الصروح العمرانية في منطقة سدير (150 شمال الرياض)، ظل وما زال قائماً منذ ما يقارب الأربعة قرون، لا يختلف المؤرخون على سبب بنائه، بقدر اختلافهم على شخصية بانيه "رميزان بن غشام"، وقصة دخوله إلى بلدته روضة سدير؛ . و"سد السبعين" الذي بناه "رميزان بن غشام" في بداية إمارته على الروضة -والتي حكمها قرابة اثنتين وعشرين سنة- تسبب في غضب بعض أهالي مدن سدير، لاسيما تلك المدن التي تمر بها مياه "وادي الفقي"، حيث توقع أهالي هذه المدن انحسار مياه الوادي قبل وصولها لهم، إلا أن السد الذي بني بناء محكماً ومنيعاً وقدر ارتفاعه ما بين المترين إلى الثلاثة أمتار، لم يحجز مياه الوادي بصورة كاملة، بل جحره إلى منسوب معين يستطيع أهل الروضة من خلاله سقيا أراضيهم، لاسيما وقد فتحوا ممرات وسواقٍ وقناطر لمزارعهم، وبنو السد على شكل قناطر تتخلله فتحات تنساب منها مياه الوادي عند ارتفاع معين إلى مجرى الوادي الطبيعي، وفي حالات الأمطار الغزيرة تجتاز المياه السد من أعلاه. ..وهنا لحظة سقوط الأمطار وحلول فصل الربيع ومن يشاهد السد يدرك مدى الجهد الذي بذله أهالي البلدة في بنائه، فهو مبني من الأحجار الكبيرة والمرصوصة بشكل هندسي أخاذ ساهم على حجز الماء، لا سيما وأن بلدة الروضة هي أول مصب ل"وادي الفقي" - وادي سدير -، وكان الماء ينساب من أراضيها سريعاً، فلا ينتفع به أهل البلدة كثيراً، ولذا قرروا بناء "السبعين" ودخلوا مع جيرانهم في منازعات طويلة، وقد تحكي بعض الأساطير أن "السبعين" سمي بذلك لأن أبراجه البالغ عددها سبعين برجاً، كانت تحمل جماجم سبعين رجلاً من الذين رفضوا بناء السد، ودخلوا في حروب مع رميزان وأهالي الروضة. وكان أهالي سدير يقيسون السيل بتجاوزه لسد السبعين، فيقال: "صبت السبعين"، ويقال إن "رميزان" بعد أن أنهى حروبه مع خصومه في "سد السبعين" قال قصيدته الشهيرة المرسلة لخاله "جبر بن سيار"، والتي يقول فيها: لي ديرة يا جبر من فوق منشع محالها بالليل يسهر رقودها حكرنا لها وادي سدير غصيبة بسيوفنا اللي مرهفات حدودها جرى لنا في مفرق السيل وقعة اللي حضرنا مالك الله يعودها