الرياض . . تلك المدينة التي تخطو نحو مساحات الإنسانية بخطى واسعة، هي أشبه ما تكون بالوثبات الطويلة التي تسعى إلى تعويض أزمنة ارتبطت فيها بال " العمل" و "الزحام" و "الروتين" وكل المفردات المرتبطة بأي مدينة عصرية ضحت ب "العصرنة" على حساب "الأنسنة" . . إنها المعادلة الصعبة التي حققتها الرياض فاستحقت أن تكون "عاصمة الفرح". لم يكن الحراك المسرحي الذي تبنته أمانة منطقة الرياض منذ عشر سنوات تقريباً إلا ظاهرة ثقافية استطاعت أن تفرض نفسها بصفتها متنفساً حضارياً يتم فيها مناقشة الهم الاجتماعي وطنياً كان أم دولياً، وحتى الترفيه وطرق معالجة النصوص تأتي خياراً إستراتيجياً لربط النظارة بمجتمعهم وإيجاد متنفسات راقية يتم من خلالها إيصال أصواتهم ورؤاهم وانتقاداتهم بطريقة حضارية من خلال "أبو الفنون" والذي كان منذ الأزل من أرقى وسائل التعبير الفني. أما المنجزات العمرانية التي تسعى إلى أن تكون حلقة وصل ونقطة التقاء إنساني فنراها أصبحت ظاهرة في مختلف أنحاء مدينة الرياض كالحدائق العامة والمتنزهات وساحات البلدية وأرصفة المشاة... وغيرها، بل أستطيع الجزم بأن مثل هذه المنجزات استطاعت أن تخلق ثقافة مجتمعية جديدة لم تكن مألوفة في السابق، بل إن مجرد طرح فكرة أن تكون هناك أرصفة لممارسة رياضة المشي – على سبيل المثال – في مدينة الرياض فإن ذلك كفيل بأن يكون مثار السخرية والتندر، أما الآن فجولة سريعة ونظرة عابرة على تلك الأرصفة وقد امتلأت بالناس فستدرك بعدها أن عدم قبول المجتمع لبعض الأفكار الجديدة والمبدعة هي حجة واهية يتمتم بها من لا يريد العمل، أو من ليست لديه الإرادة الكافية والإدارة القادرة على تحقيق مثل تلك المنجزات الطموحة والرؤى الخلاقة، وليؤكد لنا ذلك أن تحقيق المنجزات لا يتم عبر خطوة عملاقة واحدة – كما يقال – وإنما يحتاج الأمر إلى عدد من الخطوات الصغيرة لتتمكن من تحقيق ما تريد. وفي دائرة "أنسنة الرياض" طالعتنا الصحف المحلية والقنوات التلفزيونية بتغطيات واسعة حول احتفالات أمانة منطقة الرياض بعيد الفطر المبارك والتي أصبحت أشبه ما يكون بالكرنفال الاحتفالي بمناسبة دينية عظيمة صار الناس يترقبونه في كل عام لكونه لم يؤثر فئة عمرية على أخرى، ولا شريحة مجتمعية دون شريحة، ولا منطقة جغرافية دون منطقة، مما استدعى بعض مثقفي حائل إلى المطالبة باستنساخ عرّاب احتفالات الرياض الأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف أمين منطقة الرياض وتوزيعه على أمانات مناطق المملكة، أما أهالي الطائف فقد اكتفوا بالمطالبة باستنساخ احتفالات أمانة الرياض، كما طالب أهالي الأحساء بنصف ما لدى الرياض من فعاليات، أما جدة فليست (غير!) وليست بأحسن حال من المدن الأخرى التي خلت من مظاهر الاحتفال بالعيد فأصبحت عدة جهات حكومية تتقاذف مسؤولية غياب المسرحيات والفعاليات الاحتفالية بعيد الفطر المبارك.. ما أقصده هنا أن احتفالات مدينة الرياض أصبحت ظاهرة إيجابية ونموذجاً بارزاً على مستوى المملكة بدأت الأصوات ترتفع وتطالب بتعميم التجربة على بقية المدن الأخرى. أكثر ما يثير الإعجاب بمثل هذه التظاهرة الاحتفالية أنها تعمد إلى الاستفادة من الخبرات التراكمية وذلك بتلافي السلبيات وتعزيز الإيجابيات، بالإضافة إلى الإيمان بأهميتها والإصرار على إقاماتها كل عام بتوهج أكثر وبتنوع أكبر، ولا شك أنه سيأتي اليوم الذي ستتذكر فيه الأجيال مثل هذه المبادرات المبدعة التي أعلت من شأن "أنسنة"ساكن مدينة الرياض، وكما قال "وارن بافيت" : " هناك إنسان ما، يجلس تحت شجرة ما؛ لأن أحدهم غرس هذه الشجرة منذ وقت طويل" . ومؤخراً أبت الرياض إلا أن تشارك في العرس الوطني الكبير احتفاء باليوم الوطني من خلال عدد من المواقع الاحتفالية والأعلام التي زينت الشوارع للتذكير بأغلى المناسبات الوطنية وهي ذكرى توحيد المملكة العربية السعودية، واستلهام أروع القصص والمآثر البطولية لباني هذا الكيان الشامخ الملك عبدالعزيز آل سعود – طيب الله ثراه -، وليردد الجميع بدون استثناء "دام عزك يا وطن". كل ما سبق شاهد واضح على أن الرياض تهتبل الفرص وتستغل المناسبات التي من شأنها نشر الفرح والبهجة بين الناس، والسعي إلى تحقيق "أنسنة" المدينة التي أثقل كاهلها سرعة إيقاع العصر كغيرها من المدن العصرية والمتطورة. وعلى الرغم من ذلك كله إلا أن أفراح الرياض تظل ناقصة ولن تكتمل إلا بعودة باني نهضتها ومهندس أفراحها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وهو يرفل في ثياب الصحة والعافية، لتستلهم الرياض من ابتسامته ملامح الفرح، ومن حبه وإخلاصه معاني الوفاء، ومن عزيمته وإصراره آفاق الطموح، ومن حنوه ورعايته واهتمامه دفء العلاقات الاجتماعية : عُد إِلَينا فَقَد أَطَلتَ التَجافي واركَبِ البَرقَ إِن أَطَقتَ الرُكوبا وَإِذا خِفتَ ما يُخافُ مِنَ اليَمِّ فَرَشنا لِأَخمَصَيكَ القُلوبا