في معظم دول العالم شرقها وغربها شمالها وجنوبها، يسعد الناس عندما يُعلن عن إنشاء أو افتتاح مشروع، بل ان وزراءهم وكبار مسؤوليهم يطوفون حول العالم لجلب الاستثمارات لبلدانهم، والهدف الرئيس الأول هو استدامة حركة نشاط التنمية لتوفير الفرص الوظيفية لأبناء وبنات بلدانهم في مختلف التخصصات والأنشطة الاقتصادية، أما لدينا في المملكة لا أعرف لماذا لا نسعد بأخبار إنشاء أو افتتاح مشاريع القطاع الخاص، خاصة في المجالين الصناعي والتجاري، ومما يؤكد على اختفاء سعادتنا وعدم حماسنا، ما أصدرته هيئة المدن الصناعية مؤخراً عندما اعتمدت تخصيص الأراضي الصناعية لأول 83 مشروعاً صناعياً في مدينة سدير للصناعة والأعمال، وهذه تمثل الدفعة الأولى من المصانع، وسيتم تسليم الأراضي خلال الشهر المقبل من خلال تقنية متقدمة يتم تطبيقها في الهيئة، التي تعتمد على نظام المعلومات الجغرافية GIS الذي طورته الهيئة لجميع مدنها الصناعية. الخبر (قوي) من الناحية الاقتصادية، تدشين مدينة جديدة للصناعة والأعمال، و83 مشروعاً هي باكورة التخصيص، وتقنية جديدة في الاستلام والتسليم، ولو افترضنا أن كل مصنع من المصانع ال83 سيخصص 100 وظيفة لشباب هذا الوطن، فهذا يعني اننا أمام 8300 وظيفة قريبة المنال في مدينة سدير للصناعة والأعمال، وبالرغم من قوة هذا الخبر إلا انه استقبل ببرود إعلامي، وعدم تفاعل أو تناقل للخبر بين الناس؟! وبعد اسئلة بسيطة طرحتها وأجابت عليها المعلومات والبيانات المتوفرة لدي، عرفت أن الحق مع العزوف والبرود الإعلامي، وعدم ترحيب أو اكتراث الناس بهذا الخبر رغم قوته، لأن لدينا في مجال الصناعة تجربتين: تجربة ناجحة، مفيدة للوطن والمواطن، وهي تمثل الحقيقة الصناعية المؤثرة والفاعلة في تطوير وتنمية الموارد البشرية الوطنية التي تقودها شركات الكهرباء وأرامكو، وسابك وما يتبعها أو يماثلها من الشركات الوطنية الأخرى في مجال صناعة البتروكيماويات والصناعات الأساسية الأخرى بالاضافة إلى بعض المبادرات المحدودة من شركات صناعية تعمل في مجالات أخرى، أما تجربتنا الصناعية الثانية التي تضم بين جنباتها حوالي 4600 مصنع منتج رساميلها 404 بلايين ريال ويعمل بها أكثر من 528 ألف موظف وعامل، فهي التي سخّرت لها مقدرات الوطن فحصلت على الأراضي الصناعية المطورة بأسعار زهيدة، وعلى الدعم للمدخلات الصناعية، وإعفاءات جمركية للآلات والمعدات والمواد الخام، وخطابات التأييد لاستقدام العمالة، بالاضافة إلى أسعار وقود لا تحلم بها أية صناعة أخرى بالعالم، وتعريفة كهربائية بأقل من تكلفة انتاجها، وفي المقابل ماذا كان نصيب الوطن والمواطن من هذه المصانع؟ الواقع يتحدث عن انجاز كبير تحقق لفتح المجال ل90٪ من احتياجاتها من الموارد البشرية أمام العمالة الوافدة!، واستنزاف الموارد وتلويث البيئة واشغال المسؤولين بكثرة طلبات وشكاوى الصناعيين وندواتهم ووصل الأمر في بعض الأحيان للتهديد بهجرة الصناعة إلى خارج الوطن، حفظونا وفرضوا علينا شعار (الصناعة خيار استراتيجي) حتى كاد أبناؤنا يرددونها في المدارس نشيداً في طابور الصباح لأداء الواجب؟! والنتيجة ما هي؟ وهنا أتوقف وأطرح سؤالاً على مجلس الشورى ووزارة المالية، ووزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة التجارة والصناعة، واللجنة الدائمة بالمجلس الاقتصادي الأعلى، ما هي الفوائد التي جناها المواطن والوطن من هذه المصانع؟ نريد أن نعرف ومن حقنا أن نعرف مادام أن نسبة توطين الوظائف في 4600 مصنع لم تتجاوز 10٪، وهو الهدف الاستراتيجي الوطني، المهم والأهم والأكثر أهمية عند إقامة أي مشروع على أرض الوطن، نعم لم نفرح ولم يسعد الإعلام بمشاريع مدينة سدير للصناعة والأعمال لمعرفتنا المسبقة بالنتيجة، لن يكون لأي منزل أو أسرة في هذا الوطن استفادة أو عائد ايجابي، المؤكد أن هذه المصانع ستقام في مدينة سدير الصناعية، ولكن زغاريد الفرح بالتوظيف ستنطلق في منازل أسر في مومباي، وجاكرتا ومانيلا والقاهرة ونيبال وكينيا ودكا وغيرها، انه فصل من فصول مسرحية الفرص الوظيفية الخليجية حول العالم. الاستمتاع وصل إلى ذروته بمقدرات وخيرات الوطن، حتى أصبحت ثقافة الإعانة والدعم وتوظيف الأجانب أهم ركائز وعناصر دراسات الجدوى الاقتصادية لمشاريعنا الصناعية والتجارية، أصبحنا -شئنا أم أبينا- ننظر إلى الإعلان عن أي مشروع جديد على أنه اضافة جديدة في رصيد أعداد العمالة الوافدة، والأرقام الرسمية المعلنة تؤكد هذا، فما بين عامي 2005 و2010م قفزت أعداد العمالة الوافدة من سبعة ملايين إلى عشرة ملايين والأعداد في ازدياد، ونسب البطالة في نمو وأعداد الخريجين والخريجات من الداخل والخارج ستصل إلى مئات الآلاف، بالتأكيد لا يتحملها القطاع الصناعي لوحده ولكن لم نجد في خبر هيئة المدن الصناعية ما يطمئن على وضع متطلبات وطنية واجبة ومطلوبة، تلك التي تتعلق بتدريب وتأهيل نسبة لا تقل عن 50٪ من عمالة منشآت صناعية قبل بدء انشائها حتى تكون جاهزة للعمل بعد اكتمال انشاء المشروع. ليت البشرى يا هيئة المدن الصناعية لم تكن في اعتماد تقنية متقدمة في تسليم الأراضي، ليتها كانت وستكون، لو أعلنت الهيئة عن إنشاء معهد تدريب صناعي في مدينة سدير للصناعة والأعمال بالتعاون والتنسيق مع المؤسسة العامة للتدريب التقني، وإعلان فتح المجال للقبول في المعهد للدراسة والتدريب والتأهيل لاحتياجات المصانع ال83 التي تم الترخيص لها من التخصصات والأعمال الفنية، أو بأية صيغة أخرى، تحفظ لأبناء هذا الوطن فرصة العمل في هذه المنشآت، تمنيناها يا هيئة المدن الصناعية نقلة وأخباراً مطمئنة للوطن وأبنائه، ولكن الظاهر أن (لي) التشريعات من الصناعيين لا يزال مستمراً، وبالتالي الزغاريد ستستمر مدوية في مومباي؟!