في إحدى المدارس في شمال الرياض و(ليس في قرية نائية) لا يوجد مختبر مؤهل لإجراء التجارب.. لا توجد غرفة للرياضة.. لا توجد طاولات تنس أو بلياردو..لا يستطيع الطلبة ممارسة كرة القدم في الصيف بعد الساعة التاسعة، لأن الملعب غير مغطى، بالإضافة إلى أنه من الإسمنت.. تصوروا ملعب كرة قدم إسمنتي تسبب كثيراً في الكسور والرضوض لأبنائنا، لتتحول حصة الرياضة إلى معاناة.. ناهيك عن دورات المياه المخجلة. يجري هذا في مبنى حكومي شيد بإشراف ومواصفات وزارة التربية والتعليم!، أما الكارثة فهي أن الدفاع المدني صنفه في أعوام سابقة على أنه (آيل للسقوط) فقامت الوزارة ببناء بعض الدعامات، لكن بدلاً من أخذ الأمر بجدية وإعادة فحص المبنى دورياً وجعله تحت الملاحظة، قامت الوزارة بإضافة مدرسة أخرى في الدور الثاني منه، أما المبكي فهو أن هذا الدور تحول إلى كهف لطلبة المدرسة الجديدة، فقد تم تصميمه بشكل لا يسمح للشمس بالدخول، لكن ما حدث في هذه الإجازة شيء لا يصدق. قامت الوزارة مشكورة باقتلاع بلاط قرابة ألف متر من موقف سيارات المعلمين الذي لم يكن فيه بلاطة مكسورة ولم تشتك منه الإدارة ولا المعلمون ولا الزوار.. تم اجتثاث البلاط وإبداله ببلاط بشع، فهل راحة إطارات سيارات الموظفين أهم بكثير من سلامة أرواح أبنائنا وأجسادهم، وأهم من تجهيز مختبر أو تغطية ملعب أو بناء صالة رياضية مكيفة.. أين حديث المسؤولين حول تغليب المواد العلمية التجريبية على المواد النظرية، ففي معظم مدارسنا يتم تلقين الطالب التجربة والمشاهدة والنتيجة نظرياً (مجرد حفظ)، وهنا تتفوق بعض مواد التربية الإسلامية (عملياً) على المواد التجريبية، فالطلبة يدرسون الطهارة والصلاة والصيام والعمرة والحج ويمارسونها عملياً، بينما يمر العام والعامان دون أن يجروا تجربة علمية واحدة.. ما الذي أنجزه المليار المخصص لتطوير العلوم والرياضيات؟ أليست ميزانية وزارة التربية قادرة على تأمين أحدث المختبرات، لا سيما وهي تفوق ميزانيات (دول عربية) مجتمعة؟، ما يحدث في الوزارة ليس بخلاً، فالوزارة تنفق بسخاء.. إنه ارتباك في الأولويات.. ارتباك يرغمنا على النظر للقضية مباشرة.. ف"اللت والعجن" والتفلسف هو ما يعقّد كل شيء، فلو تأملنا الأمور كما هي لا تضح كل شيء، وصلح كل شيء، و(كل شيء) مختصر في سؤال واحد يقول: من الذي من أجله أنشئت الوزارة؟، من الذي من أجله شيدت المباني ورصدت الميزانية وتقاضى عشرات الألوف من الموظفين رواتبهم وألفت وطبعت الكتب الباهظة التكلفة؟، من الذي من أجله أحدثت كليات التربية وإعداد المعلمين وعين الوزراء والوكلاء وكبار الموظفين؟. إنه الطالب.. ومع ذلك فلا أحد يأبه له، وكأنه طفل ثري داخل قصره المليء بالخدم، ولكن لا يسمح له سوى بالجلوس على كرسي واحد في غرفة واحدة من هذا القصر المنيف، بينما يقوم الخدم والموظفون بالتفكير عنه والحديث عنه والاستمتاع بدلاً منه بمرافق ذلك القصر تحت مبرر أنهم (أبخص منه). بقيت كارثة إنسانية في تلك المدرسة الآنفة الذكر (وهي نموذج لمئات المدارس): فالفسحة تنتهي والطالب ما زال ينتظر في طابور طويل دوره ليشتري وجبته، هل تعرفون ما الذي يعنيه ذلك؟، إنه يعني أن الطالب المسكين يستمر سبع حصص على كرسيه داخل فصله، والفرصة الوحيدة التي يتنفس فيها هي فترة التشميس.. أقصد الوقوف لأكثر من نصف ساعة في الحر وهو زمن ما يسمى (الفسحة) التي يفترض أن تكون راحة بحق.. لكنها تتحول إلى عقاب جماعي كالطابور الصباحي تماماً.. لذا، لم يبق للطالب من فترة للترويح عن نفسه سوى وقت الصلاة، وكأنه: يقول أرحنا بالصلاة يا أستاذ من هذا المعتقل الدراسي الكئيب.