الطائفية المذهبية تتحول إلى سمّ يدخل إلى البيوت بصمت، وتنمو في الرؤوس بنفس الصمت ولكنها إذا نطقت فهي تنطق كفراً بكل مخالف لها ، ها نحن نشاهد الطائفية بكل سوادها، تَتَنقّل من لبنان إلى العراق قادمة من إيران نحو دول الخليج، ولعلّ النجاح الأمني الذي حقّقتْه دولة البحرين كان جبّاراً ولافتاً قطع من خلاله دابر الفتنة الضاغطة وعملت الدولة فوق ثقافة الشوارع والسلاح الأهلي الطائفي المقيت. كل مصادر القلق الأهلي التي تعيشها بلدان مثل:العراق، ولبنان، واليمن حديثاً مع بزوغ الحوثية، مركزيتها الطائفية، وإذا قرأنا التاريخ السياسي للطائفية نجد أن الطوائف ذاتها تشكّلت بظروف سياسية، وأن الكثير من حالات الهيمنة العقائدية تبلورت في ظلّ إرادة سلطانية، أستشهد هنا بما فعله مؤسس الدولة الصفوية إسماعيل شاه الصفوي وهو التركيّ والسنيّ الأصل حين كان يلاحق أهل السنة للتخلي عن مذهبهم، واعتناق المذهب الشيعي. هذا نموذج واحد من عشرات النماذج التي يتداخل فيها المشروع السياسي بتغذية الطائفية..وهكذا تفعل إيران، حيث تقوم بتأليب الطوائف المغلوبة على أمرها أيديولوجياً لمقاومة السلطات في بعض البلدان تحت مخدّر الطائفية المذهبية.. ولئن نجحت الطائفية في إيران في تأجيج بعض الدول الضعيفة اقتصادياً وأمنياً مثل العراق ولبنان، فهذا مؤشر خطير يرفع درجة الاستعداد والمواجهة التي يجب أن تتبعها دول المنطقة قبل أن تتحوّل منطقة الخليج إلى بؤرة صراع بين الطوائف ، فمن المؤكد أن الخطوات الرئيسة لتعزيز حواجز بناء الطائفية تكمن في تعزيز الوطنية في نفوس جميع الطوائف في المنطقة . رأى هنري كسينجر مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الراحل "ريتشارد نيكسون" ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق أن مشكلة العراق هي التي تؤثر في دول الخليج من حيث الانتشار المستطير للطائفية، كما جاء في مقالة له نشرت في فبراير الماضي في ال «واشنطن بوست» من( أن الطائفية الثائرة في العراق ستؤثر بشكل كبير على مناخات الطائفية في دول الخليج ) . إذن نحن أمام حالة "عولمة" للطائفية، وإذا لم يتكاتف أهل كل وطن بين بعضهم البعض، ويعلو صوت الاعتدال والولاء بين مختلف شرائح المجتمع ومختلف طوائفه فستتحول الطائفية إلى خبز يومي كما نشاهده بكل أسف في لبنان. آن أوان رفض الطائفية وسيلة للعيش، واستبدالها بالمواطنة المدنية والولاء الوطني الصادق، بهذه الروح نغلق أبوابنا في وجه كل أشباح الطائفية السوداء. وننعم في دفء التعايش والاحترام والاعتراف بحق الاختلاف..