الرياضة أصبحت حاضراً صناعة لذا لم تعد متابعتها مقتصرة فقط على الرياضيين، فهناك آخرون ليسوا في الوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها سواءً حديثاً أو منذ فترة طويلة. الوجه الآخر الرياضي لغير الرياضيين تقدمه "دنيا الرياضة" عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد في حياتهم وضيفنا اليوم هو الرحالة الشيخ : محمد بن ناصر العبودي * لقبك الكاتب محمد عبدالرحمن القشعمي ب(العالم الموسوعي) بينما أسماك الدكتور حسن الهويمل (العلامة) فماذا تقول أنت عن نفسك ؟ - أحب أن يسميني الناس بالاسم الذي سماني به أبواي وهو محمد بن ناصر العبودي . أما الصفات التي ذكرتموها فبعضها حقيقية مثل رحالة، وكاتب، ومؤلف، وفضولي إلخ. * أثناء تنقلك بين لهيب إفريقيا وصقيع آسيا الوسطى وروسيا هل حدث أن مارست رياضة ما ؟ - الواقع أن جميع رحلاتي كنت أمارس فيها رياضة المشي وأحياناً الهرولة إن لم يكن الركض، لأنني كما يلاحظ الإخوة الذي قرأوا كتبي في الرحلات أنجز أشياء عدة في مدة قصيرة، وهذا لا يتأتى إلاَّ إذا كانت الحركة البدنية والذهنية في هرولة. رأيت حب الرياضة على حقيقته في شواطئ كوبا كابانا أما الرياضة بمعناها الاصطلاحي فإنه لم يكن لديَّ وقت لها. أما السؤال عما إذا كنت شاهدت خلال رحلاتي رياضة أعجبتني، فالجواب : نعم، وهي كثيرة ربما كان من ألطفها سباق للسيارات القديمة التي مضى على صنعها خمسون عاماً من أنواع مختلفة، وفي كل البلدان أو أكثرها رأيت أناساً يخرجون لرياضة المشي في الصباح في شوارع مخصصة لذلك. أما الرياضة التقليدية فإنها في شاطئ كوبا كابانا بمدينة ريو دي جانيرو الشهير في البرازيل، إذ رأيت أن الرياضة تسيطر على مشاعر الناس أكثر مما تسيطر عليها أشياء أخرى في بلاد العالم الثالث. فرياضة كرة القدم كان يمارسها الناس من الجنسين في الشواطئ والحدائق المناسبة. وأغرب ما رأيت مباراة لكرة اليد كان أحد أفرادها مقطوع الرجل يتبارى مع غيره وهو كذلك، والأرض التي كانت عليها المباراة كانت أرضاً رملية لا أدري أتساعده على عمله أم تعوقه، ولكنني لم أرَ الآخرين تغلبوا عليه عندما كنت واقفاً عندهم. ومما استرعى انتباهي في جولاتي في أمريكا الجنوبية أكثر من غيرها سعة الملاعب الرياضية فيها وإبرازها وكون العاملين في شركات السياحة يعتنون باسترعاء أذهان الفرق السياحية إليها. * في صغرك امتلكت لياقة الرياضي الفذ فمشيت 40 كيلاً من بريدة فجراً إلى عنيزة ظهراً، في نظرك هل يستطيع شباب اليوم أن يمشون هذه المسافة وما الذي يحتاجونه تلك القدرات ؟ - في صغري لم تكن هناك مراكب للناس إلاَّ الدوابّ وتحتاج إلى مؤونة فالإبل ليست من المراكب للمسافات القصيرة أو الجولة في المدينة لأنها تحتاج إلى مكان واسع يفتح إلى الخلاء كما تحتاج إلى عناية في علفها وملاحظتها، وإنما كانت وسيلة الركوب للمسافات المحددة حول القرى والمزارع هي الحمير، ولكنها أيضاً تحتاج إلى مكان مناسب وإلى عناية بعلفها وتحتاج إلى من تكون حاجته إليها كثيرة، وبعضهم كما قال الشاعر: من الناس من يرضى بميسور عيشه .. ومركوبه رجلاه، والثوب جلده ولذلك كان الناس يسيرون على أقدامهم في تلك الأيام ولا حاجة إلى القول بأن السيارات غير شائعة، والدراجات غير معروفة ولذلك يسميها بعض الذين سمعوا بها، أو رأوها خارج البلاد (حصان إبليس) بالتكبير، أو حصينِّ إبليس بالتصغير مثلما كانوا يسمون المطاط أول ما عرفوه (جلد خنزير). واستعمال الأقدام في تلك العصور أفادنا فائدة كبيرة، ولذلك عندما عزمنا أن نسافر إلى عنيزة أنا ورفيقي الشيخ عبدالله بن محمد البقيشي من بريدة إلى عنيزة على أقدامنا لرؤية نسخة مخطوطة من كتاب (الانصاف في مسائل الخلاف) في الفقه الحنبلي لمؤلفه المرداوي لم نفكر مطلقاً في صعوبة السير على الأقدام من بريدة إلى عنيزة، لأن ذلك أمر ليس بذي بال لدينا في ذلك الوقت، وإنما فكرنا في الوقت ثم تجاوزناه، وقد فصلت خير تلك الرحلة التي تمت في عام 1364ه وكان عمري آنذاك 19 سنة في كتاب (رحلات في البيت). وبقية السؤال عما إذا كان شباب هذا اليوم يستطيع أن يمشي تلك المسافة والجواب أن نشأتهم كانت في هذا الوقت الذي تيسرت فيه المراكب بأنواعها للناس فأقعدتهم عن المشي الطويل، كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ترك الحركة عُقلة، أي كالعقال الذي يمنع من المشي. وفي الأمثال العربية القديمة "من ترك المشي تركه المشي" .أنه يمكن إحياء شيء من ذلك عن طريق قيام المراكز الصيفية ل لشباب بالذهاب مشياً إلى أماكن قريبة ليست في المسافة كما بين مدينتي بريدة وعنيزة، ولكنها تكون مما لم يره الشباب من قبل. وإذا أضيف إلى ذلك مطالبتهم بكتابة انطباعاتهم عما شاهدوه أو لاحظوه أثناء الرحلة وعما استفادوه من رياضة السير على الأقدام كان ذلك أجود. * متى تؤلف عن الرياضة في رحلاتك ؟ - إذا صار للرياضة البدنية في نفسي مقام أكبر مما للكتابة بالقلم ولا أعتقد أن يكون ذلك في المستقبل. ولا ينبغي أن يفهم من ذلك أنني لا أحبذ ممارسة الشباب للرياضة أو أنكر عليهم الانضمام إلى النوادي الرياضية وكونهم أعضاء في الفرق الرياضية، فذلك له فوائد نفسية وجسمانية هي مما يغني الشباب عن ممارسة أشياء غير مستساغة. * : بمعيار النسبة المئوية ما نصيب الرياضة من اهتماماتك ؟ - الرياضة أنواع، فأنا كنت أمارس نوعاً من الرياضة بانتظام وبهوس ظاهر ألوم نفسي عليه اليوم وذلك يتمثل في رياضة الصيد، فكنا نخرج إلى البراري والقفار وفي إبّان شبابنا كانت الأرض القفراء قريبة من المدن قبل أن تعمر الضواحي وتتسع الزراعة فكنا نصيد الأرانب والحبارى والقطا والبط وبعض الذين يذهبون معي كانوا يصيدون الضباب – جمع ضب – أما أنا فإنني أكره صيد الضبّ ولا أستسيغ أن يؤكل لحمه عندي. ولكن عندما بدأت الرحلات العالمية إلى الأقطار البعيدة استعضت عن ذلك بالمشي وأحياناً الهرولة كما قدمت. * هل الرياضة هواية المترفين أم تراها ضرورة لشباب المستقبل ؟ - الرياضة ينبغي أن تكون هواية المترفين الذين لا يحتاجون إلى العمل بأجسادهم، فهم بحاجة إلى تنشيط أبدانهم، بل وعقولهم بممارسة الرياضة المنظمة كالغولف، وكرة اليد، وكرة المضرب، بل هي رياضة الجميع. وأما بالنسبة إلى شباب المستقبل فإذا كان كشباب اليوم أكثرهم لا يمارس نشاطاً بدنياً فإن ممارسة الرياضة البدنية مهمة لهم، أما إذا كانوا يقومون بعمل جسدي فإن الرياضة لهم تصبح عملاً عقلياً فيه عدة فوائد من أهمها كسر الروتين الذي يكون الشخص منهم يسير عليه، ومنها لذة الفوز لمن يفوز، وتنمية روح المنافسة الشريفة بينهم. الصيد رياضتي المفضلة وأقول لشبابنا من ترك المشي تركه المشي * أي ألوان الأندية تراه يشكل الغالبية في منزلك ؟ - : إذا كنتم تريدون أي الأندية التي يشاهدها أفراد الأسرة في التلفاز في بيتي فهذا صحيح، ولكنه يعود إلى أهمية المباريات في كرة القدم مثلاً، فاللعب الجيد واللاعبون الذين هم أبطال اللعبة إذا كانوا على مستوى عالٍ من المعرفة هم الذين نراهم وبخاصة أولادي وأحفادي، أما أنا فإنني أحافظ على وقتي لإتمام المؤلفات التي أعمل فيها. * متى كانت آخر زيارة لك للملاعب الرياضية ؟ - منذ وقت طويل، ويا الله حسن الخاتمة. * هلا شكلت لنا منتخباً من المفكرين والأدباء فربما واجهنا البرازيل في نهائي كأس العالم ببريدة يوماً ما ؟ ومن ستشجع حينها؟ - أشجع فريق بلدي بالطبع، ولكن إذا لم تكن له فرصة التغلب على البرازيل فإنه يكفيني أن يكون نازل فريق البرازيل عملاق الكرة العالمي. * لمن توجه الدعوة من الرياضيين لزيارة منزلك ؟ - لمن أستفيد منه ويستفيد مني. * ومن ترشح من الأدباء لتدريب المنتخب السعودي؟ - أرشح الأكثر براعة في الرياضة فإن لم يكن بارعون في الرياضة قلت لهم : "عودوا إلى الدواة والقلم وكفى بها رياضة فكرية". * البطاقة الحمراء في وجه من تشهرها ؟ - في وجوه المخالفين وبخاصة منهم الذين يجاهرون بمخالفتهم للمبادئ الرياضية وخرقهم لقواعد اللعبة وبخاصة إذا كانوا يلعبون خارج بلادنا. * ولمن توجه البطاقة الصفراء ؟ - للذين هم أقل منهم مخالفة .