إن كل قرار إستراتيجي مرهون بمدى زمني وأهداف محددة، وعندما يحين صدور قرار إستراتيجي جديد، فإن القديم يؤرشف، ولكن يبقى كمرتكز تاريخي يضم بين ثناياه السجل التاريخي للدولة أو الوزارة أو الهيئة أو المؤسسة أو القطاع صياغة القرار الإستراتيجي وإطاره وتحديد الأهداف الإستراتيجية المطلوب تحقيقها، ومدى توفر الشروط اللازمة في البناء الإستراتيجي، ومدى البساطة والتحقق في طبيعة القرار، وهل يساعد في الربط بين الممكن والواقع، كل هذا يبسط على المنفذ والمتابع والمُقيّم لذلك القرار من القيام بالدور والواجب المناط به. أي قرار إستراتيجي يصدر بشروطه النسقية والتراتبية والتراكمية والتوكيدية والواقعية والإلزامية والاعتماد على الذات، وإذا توفرت تلك الشروط وفي إطار مقبول لجميع المفاهيم الواردة في مشهد القرار الإستراتيجي، فمن السهولة بمكان توظيف القرار، والاستمرار في هذا التوظيف على الرغم من بعض التغييرات التي يصادف، والتي يصاحبها تغيير في بعض السياسات، والتي وضعت في حسابات مُعِد تلك الإستراتيجية، وتبقى الأهداف الإستراتيجية ثابتة. ومتى ما توفرت القناعات العلمية والعملية بأهمية تلك الإستراتيجية، وضرورة الالتزام بها، كلما ساعدت على توظيفها. كما أن معرفة أبعاد تلك الإستراتيجية، وإدراك أهمية تحقيق أهدافها وأبعاد إنجازها على الوزارة أو الهيئة أو القطاع أو المؤسسة المتبنية لتلك الإستراتيجية، تحفز المنفذين على دقة الإنجاز وتبني الطرق والوسائل المحددة للوصول إلى النهايات. إدراك البعد المفاهيمي لماهية القرار الإستراتيجي يساعد على توظيفه، كما تلعب التوعية في فهم أهمية المنتج الإستراتيجي لقرار يخدم المصالح المؤطرة سواء مصالح وطنية أو مصالح فردية تختص بوزارة أو هيئة أو مؤسسة أو شركة. وضرورة البعد عن التحكم الاعتباطي في تنفيذ سياسة الجندرمة، والتي تقضي بأن هذا قرار إستراتيجي وعليكم إنفاذه. القرار الإستراتيجي المُراعي لأسس وقواعد وشروط بناء القرار الإستراتيجي، والمدعوم بالمهنية والاحترافية العالية في صياغته العلمية، يساعد على توظيفه، ويمنع من توقيفه أو ترفيفه أو أرشفته. ويبقى التساؤل متى يوقف القرار الإستراتيجي؟ إذا كان القرار مرتجال، وعجلا، ويشير عنوانه على أنه قرار إستراتيجي، بينما في حقيقته ومضمونه يمثل رد فعل لحدث أو منشط، وإذا كان المنفذ غير مدرك لطبيعة القرار وأهدافه المرجوة، أو يميل القرار إلى الضبابية والغموض، أو معرفته بآلية متابعة القرار ضعيفة، أو تفتقر للجانب المعياري للقرار، أو افتقار القرار وعدم احترامه لقيم ومبادئ وثوابت المجتمع وذلك يؤدي إلى توقفه. وقد يصدر قرار إستراتيجي مميز لتحقيق مصالح عامة للمؤسسة المنتجة والمصدرة له، ولكنه مضرّ بمصالح المنسوبين المنفذين لتلك الإستراتيجية، فيحدث الخلل في التنفيذ، وإما أن تعالج هذه الجزئية في المساق البنيوي للإستراتيجية، وإما أن القرار سوف يدب التراخي في تنفيذه مما يؤدي إلى توقيفه. ومتى يرفف القرار الإستراتيجي؟ يكون ذلك إذا كانت صياغته ركيكة، أو نموذجه مستقى من مجتمع آخر لا يحمل قيم وثوابت وضوابط وعادات وتقاليد وطبيعة المجتمع الذي يصدر منه وله. أو أن صانع القرار الإستراتيجي لا يملك أدوات المتابعة لمخرجات القرار، أو يكون لحظياً في قراراته، أو أن المنفذين من المروتنين في وظائفهم ، ومن فئة وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب، فأي قرار يصدر لا يعجبه أو لا يتوافق مع رؤيته أو مصالحه الشخصية يوقفه، خاصة في وجود المحسوبية، وغياب أدوات المحاسبة والردع. أو وجود تيار منافس خارج المؤسسة أو القطاع يرى مضرة في القرار أو غيرة أو حسداً، فإنه يسعى للتحوط والعمل على إجهاض القرار الإستراتيجي، والتأثير على منفذيه، وإيصال قناعات بعدم أهمية القرار وتعطيله وبالتالي ترفيفه. ومتى يؤرشف القرار الإستراتيجي؟ إن كل قرار إستراتيجي مرهون بمدى زمني وأهداف محددة، وعندما يحين صدور قرار إستراتيجي جديد، فإن القديم يؤرشف، ولكن يبقى كمرتكز تاريخي يضم بين ثناياه السجل التاريخي للدولة أو الوزارة أو الهيئة أو المؤسسة أو القطاع أو الشركة التي يخص. والأرشفة هي إجراء عملي لحفظ تلك القرارات، والرجوع لها مستقبلاً كجزئية تاريخية ونموذجية ومرجعية للقرار الإستراتيجي الذي اتخذ وفُعل وأدى دوره المطلوب في تلك الحقبة، مشفوعاً بتغذيته المرتجعة، والتي تستخدم كمرجع مهم في بناء الرؤية الإستراتيجية (المستقبلية) للقرارات الإستراتيجية القادمة، وذلك لإدامة المساق الإستراتيجي. وعلينا أن نغير النظرة التقليدية للأرشفة من التخزين المبتذل لوثائق فائضة غير مرغوب في حفظها، إلى مخزون مرجعي علمي وثقافي ومعرفي ومصنف ومبوب ومجدول ومرتب بطريقة منهجية واضحة يمكن الوصول إليها، وتمثل جزءاً رئيساً من السجل التاريخي المؤسسي للعمل الإستراتيجي.. * خبير إستراتيجي وجيوستراتيجي