حرصت هيئة كبار العلماء الموقرة وبتوجيه سام على التفرد في الاختيار لأعضائها من علمائنا الأجلاء الأفاضل الذين يهمهم أمر المسلمين في كافة أصقاع الأرض، كما يهمهم أمر المواطن ومصالحه صدر الأمر الملكي الكريم في وقت فوّت الفرصة على المتربصين والوصوليين والنفعيين وأحباب الشهرة. صدر في وقت كثر اللغط حول بعض الفتاوى الشرعية من بعض العامة، خاصة وأن بعض تلك الفتاوى كان يتوافق مع مصالح البعض الشخصية والبعض الآخر لا يتوافق مع ثوابته التي استشربها منذ نعومة أظافره، خاصة ونحن أمة دستورها شرع الله سبحانه وتعالى. كنا إلى وقت قريب في حاجة إلى مأسَسة القرار وتقنين صدور الفتاوى في إطار شرعي ومؤسسي، ومن جهات اختصاص، فيه إجماع أو شبه إجماع. وصدر الأمر الملكي الكريم يدلل على الرؤية الإستراتيجية، لكون الفتاوى الشرعية تحدد مسار حياة الأمة، وأهدافها ومبتغاها والتي قد تؤدي إلى نتائج إيجابية أو سلبية، حسب منطوقها ومفهومها وبُعدها الديني والقيمي، والجهة التي صدرت منها، ولمديات قريبة ومتوسطة وبعيدة، وتؤثر في تربية وثقافة أجيال لعقود بل لقرون قادمة، لكون بعضها يمثل مواضيع عصرية لم تتوفر حيثياتها مع عهد السلف الصالح. الفتوى الفردية أصبحت ظاهرة خلال الخمس سنوات الماضية، وأغلبها صدر دون الرجوع إلى المرجعيات الدينية المختصة، لدراستها وإقرارها، وأصبح بعضها يشكل سبقاً صحفياً إثارياً عند البعض في وسائل الإعلام المختلفة، وأصبح القبول والتعليق والرفض في مواضيع لا تستحق التعليق أو الرد أساساً. إلى أن جاء الأمر الملكي الكريم، ليتوافق مع حاجة وتوجه ومتطلب الأمة لضبط هذا المساق، وأن تكون الفتوى مدروسة ومتوافقة مع معطيات العصر ومن علماء أفاضل نكنّ لهم كل تقدير وإجلال واحترام. جاء القرار الإستراتيجي شافعاً وداعماً ومعُززاً لدور المؤسسات الدينية الفاعلة، متمثلاً في مقام هيئة كبار العلماء كجهة اختصاص، في تفعيل هذا المنهج، وصيانة وحفظ وتنشيط وضبط الفتاوى الشرعية التي تنظم مساراتنا الحياتية والدينية، وتوثق تلك الفتاوى وتنشرها وتسجلها لتبين المسار والمنهج المنشود وبلغة الوضوح والبساطة، ومن واقع توجهات شرعنا الإسلامي الحميد، وتسد باب الاجتهاد غير المحسوب. كما ينظم الإطار الفاعل للفتوى وتعميمها ونشرها، والتأكد من التقيد بها في ظل آلية محددة ومعروفة. وقد حرصت هيئة كبار العلماء الموقرة وبتوجيه سام على التفرد في الاختيار لأعضائها من علمائنا الأجلاء الأفاضل الذين يهمهم أمر المسلمين في كافة أصقاع الأرض، كما يهمهم أمر المواطن ومصالحه، ومدى توافق تلك المصالح مع الشريعة الإسلامية السمحة. واحتوى القرار الإستراتيجي لخادم الحرمين الشريفين على أبعاد إستراتيجية ثلاثة: 1 - البعد الإستراتيجي الأول: تفعيل وتنشيط دور هيئة كبار العلماء، لكونها مرجعية إسلامية في مخرجاتها، فهي جهة مسؤولة عن الفتاوى التي تهم العالم الإسلامي، لكون أغلب المسلمين في العالم ينظرون إلى المملكة العربية السعودية كمهد للرسالة، وبها قبلتهم، وما يصدر من مؤسساتها الدينية، فينهلون من تلك المخرجات ويمنهجون أمورهم الدنيوية والحياتية في ضوء تلك المخرجات الشرعية. 2 - البعد الإستراتيجي الثاني: يمثل القرار الضابط المرجعي الديني لأي عالم أو طالب علم، وتحفيزه وتشجيعه بأن يقدم ما لديه مشفوعاً بالأدلة والبراهين لتلك المؤسسات لضمان المخرجات، لكونها أصبحت تلك الفتاوى الشرعية لا تقف عند حدودنا السياسية بل تعدتها إلى الإقليمية والدولية. 3 - البعد الإستراتيجي الثالث: يوضح القرار الإستراتيجي مدى تلاحم القيادة السياسية ودعمها الدوؤب والمستمر والقويّ للمؤسسات الدينية، وتعزيز المصالح الوطنية من منظور ديني وشرعي وقيمي، وفرض الثوابت في صياغة القرار الإستراتيجي. وهذا ما تعودناه من قيادتنا الرشيدة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين * خبير إستراتيجي وجيوستراتيجي.