لم أتوقع ولم أتخيل مطلقا أن يلاقي مقالي السابق حول حقوق الموظف المدني وتزايد احتياجاته مقابل دخله المتدني هذا التفاعل والتصعيد الإعلامي على مواقع الإنترنت وحظي بتعليقات كثيرة جدا، عاتبتني بعضها على تركيزي على هذه الفئة فقط، مع أنني سبقتها بفئة الضمان الاجتماعي التي تعتبر في نظري الفئة الأكثر والأمس حاجة في هذه الظروف المعيشية الصعبة، وفي الواقع جميع الفئات متساوية في حقوق المواطنة، ما عليها من واجبات وما لها من حقوق، وللتو خرجنا من يوم الوطن الكبير وعلقت عليه بنبض الوطن وطموحات المواطن في هذه المناسبة العزيزة. الحاجة وإن امتدت إلى درجة الفقر لا تخص شريحة واحدة، فهي قضية دخل ومصروف لا بد أن يتوازيا حتى تستقيم الأمور، وإلا اختلت التركيبة واختل معها المجتمع بأسره، هل يعقل أن إحدى السيدات وهي تعلق على المقالة تقول وتحلف بذلك (أنها لم تغادر منزلها طيلة شهر رمضان بسبب عدم توفر أي مبلغ بحوزتها تنفقه وتنتظر الفرج في العيد؟)، أنا لم أقصد شريحة المدنيين فقط ولا حتى شريحة الضمان الاجتماعي، فالحاجة والعوز لا ترتبطان بفئة، أرقام خطيرة ومفزعة إن كانت صحيحة ونشرت في تقارير دولية على مواقع الانترنت، نسأل الله أن تكون مضللة، تقول إن حوالي 75% من السعوديين مدينون بقروض طويلة الأجل، وحوالي 80% لا يملكون مساكن خاصة بهم، وأن 25% أي ربع السعوديين تحت خط الفقر، والذي لا نعلم بالضبط عن حد الدخل الذي يعتبر في حالة الفقر هل هو 1600 ريال أم 2200ريال؟ الأكيد أن هناك الكثير من الفئات والشرائح ليست في معزل عن هذه القضية. فئة المتقاعدين بعد أن أفنوا حياتهم في خدمة الوطن وزادت أعباؤهم المعيشية لا زالت دخولهم متدنية وينطبق عليهم مقولة ارحموا عزيز قوم ذل! بعد أن كان ذات صيت وجاه ومال أصبح في عزلة ينتظر تاريخ نهاية الشهر ليقبض الراتب التقاعدي الذي بالكاد يستطيع الصرف على أسرته، ويقول رئيس جمعية حقوق الانسان أن حوالي 40% من المتقاعدين ليس لهم مسكن خاص ورواتب البعض تصل إلى 1800 ريال، فبالله كيف يستطيع هذا المواطن وهذا دخله الصمود والعيش الكريم؟ هناك فئة ما يسمى ببند فئات المستخدمين وهذه فئة أشد قسوة وصراعا من أجل الحياة والمعيشة أعانهم الله، ومرتبات البعض منهم بين الالفين وثلاثة آلاف ريال، وهي قيمة عشاء خاص لتاجر أو غني في نهاية الاسبوع في مطعم بشمال الرياض! ولا حول ولا قوة الا بالله، ولا ننسى بعض موظفي القطاع الخاص، فإن كانت الحكومة تراعي وتساعد موظفيها، فمن لهذا الموظف من عون ومساعدة عند رب عمل جائر يمتص حال هذا الموظف بعمل شاق ومرهق (يأخذه لحماً ويرميه عظماً) وفي مقابله فتات دخل متواضع لا يكفيه واسرته أبداً، وهو يشاهد الأرباح الطائلة للشركة ولصاحب العمل وليس له إلا الحسرة، وإن طالب بزيادة هدده مديره الأجنبي بالفصل والتعسف!، آخر تلك الفئات هم العاطلون عن العمل وهؤلاء ليس لهم لا دخل ولا أمل وظيفة، وهؤلاء هم الخطر القادم والقنبلة الموقوتة على المجتمع إن لم تعالج، ويأتي ضررها من تزايد الأعباء الأمنية على البلاد لاحتوائها ولمعالجة مشكلة الفراغ والحاجة التي قد تدفعهم إلى أعمال تضر بالبلد لا قدر الله. إنني أرى أن هناك العديد من التدبيرات التي لا بد من النظر فيها ومنها، أولا إعادة هيكلة السلالم الوظيفية في الدولة ومراجعتها وتوحيدها إن أمكن لكي تتوافق مع متطلبات العصر وهذا أمر أصبح ملحاً وضرورياً لكي تنسجم مع ضرورات الحياة والمجتمع، ثانيا التفكير بتنفيذ مقترح صندوق حكومي لإنقاذ المواطنيين من ديون وكوارث الأسهم والقروض وما أصاب الوطن في مقتل بعد نكسة فبراير الاسود من عام 2006م والتي لا يزال المواطن يئن تحت وطئتها وزادت معها الطبقة الكادحة التي تعمل لقوت شهرها ومدخراتها واستثماراتها تساوي (صفر)، ثالثا السماح لبعض الفئات من الموظفين بمزاولة الأعمال التجارية والتوسع في ذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد هذه الديون، ومن غير المنطق أن تحتكر التجارة على فئة من التجار المتنفذين وحدهم، فتزداد ثروتهم على حساب هذا المواطن الضعيف، والأمر الآخر ما الحق لحوالي مليوني عامل أجنبي يمارسون التجارة في أعمال صغيرة وتجارية معززين مكرمين والمواطن مغلوب على أمره؟، خادم الحرمين الشريفين برأفته وحنكته وحرصه على شعبه أول من وضع هذه القضية محل النظر وأسس رعاه الله صندوق معالجة الفقر (الاجتماعي حاليا)، الذي لا زال صندوقاً أسود لا يعرف ماذا قام به أم أنه لا زال فقيراً بالفكر والمساعدة وعدم معرفة أبعاد هذه القضية وحاجات الناس.. فكما يقال الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن!، آخر هذه التدبيرات تخص ممارسات البنوك التجارية بحق هؤلاء المواطنين في القروض والفوائد ومحدودية النظرة الوطنية والانسانية للبنوك في هذه القضية.. سوف أتناولها بالتفصيل في مقال لاحق باذن الله، أختم بطرفة لاحد البسطاء عندما سمعهم يقولون إن الحكومة ستتخذ تدبيرات لمعالجة الفقر، فقال أرجوكم اتركوا الفقر على حاله ولا تعالجوه، هذا وهو مريض فعل بنا هكذا فكيف إذا عالجتموه!!. ** خاطرة ذهلت بعد اطلاعي على نتائج استفتاء بعنوان كيف نحتفي باليوم الوطني؟ هناك نسبة 73% يقولون لا أعلم!! و8% فقط يشاركون في الفعاليات الخاصة باليوم الوطني و3% فقط لزيارة المراكز والمواقع الوطنية!!، وهنا نحتاج الى غرس وتأصيل وترسيخ مفهوم المواطنة الحقة للجميع.