تحتفي المملكة في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر في كل عام بالذكرى السنوية العزيزة على قلوبنا جميعاً، وهي توحيد شتات هذه البلاد على يد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وعطر ذكراه، ويوافق هذا العام الذكرى الثمانون لهذا الحدث المجيد، والمناسبة المديدة بإذنه تعالى التي بدأت المملكة منذ ست سنوات في اعتبار هذا اليوم الوطني الذي يمثل تلك الذكرى الغالية إجازة رسمية لموظفي الدولة والعاملين في القطاع الخاص، وقضت الأنظمة والتعليمات بأنه إذا صادف يوم الإجازة لهذه المناسبة راحة أسبوعية، يعوض الموظف عنه باليوم الذي يسبقه أو يليه. وقد وافق اليوم الوطني لهذا العام يوم الخميس وهو يوم راحة أسبوعية فكان أن اعتبر يوم الأربعاء الذي سبقه إجازة رسمية، مما أتاح للبعض وبالذات لمن لم يتمتع بإجازة عيد الفطر المبارك إمكانية أن يقضي هذه الإجازة، ويحتفي بهذه المناسبة مع أسرته، وربما أقاربه على بقعة كريمة من بقاع هذه البلاد المباركة أياً كان موقعها، في هذا الوطن المظلل بالأمن والاستقرار، إلا أنها حفزت في ذات الوقت البعض وعلى نحو خاص ممن لا يتوانى عن السفر خارج الحدود في أي إجازة تتاح له لأن يقضي ذلك اليوم الذي لا يتكرر سوى مرة واحدة في العام مع أبنائه الذين هم في مرحلة غرس بذور الاعتزاز والانتماء لوطنهم في بلد مجاور، أو دولة تبلغ رحلة السفر إليها بضع ساعات، يلمس ذلك من يعمل على المنافذ الحدودية للمملكة، سواء البرية أو الجوية، التي شهدت نهاية الأسبوع الماضي بلا شك، حركة سفر تزيد في معدلاتها عما اعتادت عليه تلك المنافذ في نهايات الأسابيع العادية. إن اليوم الوطني هو مناسبة يعبر المواطنون من خلالها عن محبتهم واعتزازهم بالقاسم المشترك الأعظم الذي يجمعهم وهو ثرى هذه الأرض التي يعيشون على أديمها، وينهلون من خيراتها ويحظون بالأمن والاستقرار في جنباتها، وينشئون أبناءهم على مبادئها وقيمها، وينعمون بالكرامة في كنفها، ويعبرون في فضائها عن طموحاتهم وتطلعاتهم في العيش على ترابها، وإظهار تلك المشاعر لا يقتصر التعبير عنه فقط بالحديث والبوح بها للآخرين، وإنما في تجسيد وممارسة هذه المحبة، وذلك الاعتزاز على أرض الواقع، وغرسه وترسيخ قيمه لدى الأجيال الشابة من أبنائنا، الذي هم أحرى بأن ننمي في وجدانهم هذه المحبة، وذلك الفخر بتاريخهم، فنجعلهم مهيئين لإكمال المسيرة التي أسسها أجدادهم الرواد، الذين شاركوا في إقامة هذا الكيان، وأؤتمن الجيل الحالي على العناية بهذه المسيرة ليسلم مسئوليتها لمن يأتي بعده. إن تلك المشاعر في اعتقادي لا يمكن أن نعبر عنها ونجسدها وننقلها بفخر لأبنائنا ، في إطار ممارستنا لسلوك حزم حقائب السفر لقضاء الإجازة الخاصة بهذه الذكرى خارج حدود الوطن وإنفاق بعض مما أفاء الله به علينا من خير هذا الوطن ليجري في عروق اقتصاديات دول أخرى تنافس اقتصادنا، وبالتالي نسهم معها وبالذات في هذه المناسبة ذات المعاني الجليلة في وجداننا لاقتناص فرص التنمية والازدهار لاقتصادنا الوطني. إننا لا يمكن أن نصف تلك الشريحة من أبناء الوطن بالرغم من محدوديتهم بأنهم أقل من الآخرين وطنية، وأضعف انتماءً، وأدنى في درجة الاعتزاز بمكتسبات هذه البلاد، وإنما هي التفاتة ودعوة لتقييم هذا السلوك على الأقل في أبنائهم الذين هم عماد المستقبل لهذا الوطن والعناصر الواعدة في ازدهار القادم من أيامه. كم نتمنى أن ترصد الهيئة العامة للسياحة والآثار منافذنا الحدودية خلال هذه الفترة، لتعرف مقدار الكم من المواطنين الذي يغادرون المملكة لقضاء إجازة اليوم الوطني خارجه، وذلك من أجل أن تعمل على تقليص هذا العدد في السنوات القادمة عبر برامج ومشاريع وفعاليات وأنشطة تستقطب أولئك المواطنين للبقاء في أجواء هذا الوطن أيام فرحه وذكرى توحيده ومشاركة أشقائهم الآخرين الاحتفاء بهذه المناسبة التي نرفع الرايات لتخفق بها مرة واحدة فقط في العام.