أدى تعرض الرعايا الفرنسيين إلى الاختطاف وبعضهم إلى الإعدام منذ أزيد من ستة أشهر إلى تأجيج العلاقة بين الجزائروفرنسا المتأزمة سلفا بسبب جملة من الملفات ذات الصلة بالذاكرة والماضي الاستعماري وأخرى بالإرهاب وثالثة بالاقتصاد والاستثمار. ويأتي الطلب الفرنسي الرسمي من الولاياتالمتحدةالأمريكية لمساعدتها عسكريا على العثور على رعاياها الخمسة الذين اختطفتهم القاعدة في بلاد المغرب الخميس الماضي من حقل يورانيوم شمال شرق النيجر، في منطقة تقع على حدودها، ليزيد الوضع العلائقي بين باريس والجزائر سوءا على خلفية رفض الجزائر لأي تدخل عسكري على أراضيها أو حدودها بداعي محاربة القاعدة مثلما ظلت تردده منذ تم الحديث عن إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية بالشمال الإفريقي أو ما يعرف ب "أفريكوم". ولعل المتتبع للإجراءات والتدابير التي اتخذتها فرنسا بعد ما يمكن اعتباره تحذيرا جزائريا رسميا من أي تدخل أجنبي عسكري مباشر جاء على لسان قائد أركان جيشها الفريق أحمد قايد صالح لدى احتضان بلده شهر أبريل / نيسان الماضي اجتماع قادة أركان جيوش ست دول من الساحل هي النيجر ومالي وموريتانيا وتشاد وبوركينافاسو وليبيا التي اتفقت على إنشاء هيئة أركان عملياتية مشتركة الهدف منها تعزيز علاقات التنسيق العسكري والأمني بين دول الساحل للتصدي للقاعدة وبلورة إستراتيجية موحدة ومشتركة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بجميع أشكالها، وراح المسؤول العسكري الجزائري أبعد من ذلك عندما ألمح إلى وجود نيّات دولية للتدخل العسكري في منطقة الساحل الصحراوي، وكانت الإشارة واضحة إلى فرنسا التي ما تزال تنظر إلى دول الناحية وهي مستعمراتها القديمة، كمناطق نفوذ تسعى لأن يكون لها فيها الأسبقية في أي موطئ قدم ، ولعل المتتبع للتدابير الميدانية التي سارعت فرنسا إلى اتخاذها مباشرة بعد الإعلان عن اختطاف رعاياها الخمس على رأسها إيفاد ثمانين جنديا إلى " أرليت " لتعقب عناصر القاعدة ، مدعومين بطائرات حربية فرنسية ، يفسّر إلى حدّ ما ، ما يمكن تشبيهه ب "الإنزال الدبلوماسي الفرنسي" الذي تشهده العاصمة الجزائر منذ أزيد من أسبوع ، ينظر إليه المتتبعون لملف العلاقات بين قصري الإليزيه والمرادية على أنه محاولة من باريس لإقناع الجزائر بخطواتها العسكرية و بسياستها الجديدة بمنطقة الساحل منذ العملية العسكرية الفرنسية الموريتانية الفاشلة و تبرير تحولها الواضح في التعاطي مع ملف الاختطافات أي الانتقال من إستراتيجية المفاوضات إلى التحرك العسكري الميداني. ولم يخف سفير فرنسابالجزائر غزافيي درييونكور الذي أعلن أيضا عن زيارة مرتقبة للوزير الأول الفرنسي السابق جون بيير للجزائر كمبعوث شخصي للرئيس ساركوزي ليترأس لجنة التعاون الاقتصادي بين الجزائر و فرنسا و تطوير الاستثمارات بين البلدين ، لم يخف أمله و هو يتحدث للصحافة عن سلسلة الزيارات التي يقوم بها مسؤولون و شخصيات سياسية فرنسية هامة إلى الجزائر ، في أن تسهم هذه الأخيرة في إعادة الدفء إلى العلاقات بين بلاده و الجزائر . وينضاف التعاطي الفرنسي الجديد مع ملف القاعدة في منطقة الساحل و انخراط بعض الصحف الفرنسية في المنحى الجديد الذي تنتهجه فرنسا الباحثة عن موطأ قدم في قارة لم يعد خفيا على الأنظار حجم التكالب الأمريكي الفرنسي على أراضيها وثرواتها ، ينضاف إلى جملة من الملفات التي تثير استنكار الجزائر وتجعل العلاقة بين البلدين تعيش ، كلما لاحت بوادر الانفراج ، حالة من الشد والجذب لعدم توصل الطرفان إلى تخليص هذه العلاقة من شوائب تلك الملفات ذات الصلة بالعشرية السوداء وبالماضي الاستعماري الفرنسي في الجزائر.