عندما قررتْ الانسحاب ؛ لم تكمل شهراً واحداً تحت سقف ظلّلهما .. وعقد جمعهما! قالت لوالدها " إنني أعيش في صحراء قاحلة .. لا يفهمني .. لا يرحمني .. لا يحزن لحزني ولا يبتهج لفرحي .. جسد متحرك .. مجرد جسد بلا روح .. لن استمر معه .. لا أستطيع .." قال لها والدها " متطلباتك يا بنيتي خيالية ؛ كما أن الوقت الذي أصدرت به حكمك لاشيء في حساب العشرة والمعرفة ؛ البنون زينة الحياة الدنيا امنحيه هذا العطاء ؛ منك وحدك تبدأ الخطوات الأولى للسعادة .. هناك أشياء أغلى من الحب وأهم من التوافق .. إنها العشرة يا ابنتي ..." عادت لمخدعها تردد عبارات والدها .. لم تقتنع بشيء مما سمعته ؛ ولكنها اجتهدت لإرضائه فهي تدرك أن خبرة الآباء هي وحدها الخارطة الأكيدة للسير في الاتجاه الصحيح ..! علت أصوات الأطفال في البيت وأشرقت شمس الحركة بعد الرتابة والملل ؛ أما ديجور قلبها ومشاعرها .. فلا جديد .. لا جديد على الإطلاق ؛ مجرد المزيد من المسؤوليات والكثير من المعاناة التي حملتها وحدها .. وحدها بقيت تتجرع الجفاء. جاءته يوماً .. بل أياماً كثيرة تسأله " ماذا أكون بالنسبة لك ؟ كيف الحياة في هذا الجفاف يمكن أن تستمر ؟ مللت أشدّ حبال الوفاء أبحث عن موقف حب .. أو همسة حنان .. أو حسن عِشرة منك .. أحمل كل شيء وحدي من ألف المسؤوليات وحتى ياء المخاطبة .. مروراً بعين العواطف التي تبقى على أرضك .. مهملة .. يابسة .. تبحث تحت شمسك الحارقة ظلاً وفي صحرائك قطرة الماء .. فلا تجد .. إلى متى أنا وأنت في عالمين مختلفين ؟.. لماذا فتحت هذا البيت ؟ لأي شيء ارتبطت بي أنا تحديداً ؟ أنت تسلك كل الطرق التي تحتاجها وحدك .. وتهمل الطريق إلى قلبي.. وهو أقصرها .. وأقواها !! قال لها ومتابعة التلفاز تحتل كل تفكيره ووقته ؛ أجابها مثل رجل آلي " ألا تملين محاولات البحث عن العواطف داخلي ؟ تلك التفاهة دائماً تهمك ! ألا تدركين أن هذا طبعي وعليك التسليم به والتكيف معه ؟ توقفي عن الأحلام .. كلانا يحتاج الآخر وهذا يكفي .. افهميني يا امرأة .. ابتسامتي في وجهك دون سبب .. محاولاتي الخوض داخلك .. لمس يدك كما تطلبين.. الإبحار في عينيك .. اهتمامي بما تصنعين وما ترسمين وما تكتبين .. كل ذلك ليس له مساحة في واقعي .. أنا لا أحب المجاملات .. الحب مجرد وهم عندما تنعدم مسافات البعد ينتهي !" قالت له " ما تسميه مجاملات وما تعتبره وهماً ... هو لب حياتي الدنفة إليك .. أما الآن فقد انتهى بحثي الدائم عليك .. لم يعد للإرسال أي استقبال .. لا مزيد. أعلنت قرارها بصوت مسموع دون تردد وهي تنظر لأبنائها تختزن منهم حباً وشوقاً تعلم أنها ستحتاجه فيما بعد . الجميع اتهمها بالجنون .. بالأنانية .. فكيف السبيل للانسحاب بعد أعوام طويلة من الاستمرار الباحث .. الصامت .. منزلها يحتاجها .. والأبناء .. لاشيء يعوضهم بعدهم عنها .... لاشيء . قالت لأبنائها " انتهت محاولاتي في عمر مضى بحثا عن ذاتي .. فلم أجدها .. دعوني أمنح .. الاحترام .. السلام .. الفهم .. الحب .. لنفسي أولاً .. لأستطيع منحكم الكثير. أدركت بعد هدر العمر والجهد والحنين أن الألم الحقيقي لا يعني سوى صاحبه وأن القرارات الشخصية بعد الفهم والوعي علينا أن لا نشرك باتخاذها أحداً . أنت المسؤول وحدك عن كل ما يحدث لك ؛ لا أحدَ ممن حولك مهما بلغ تعاطفه وقربه منك يمكنه أن يحمل عنك معاناة .. أو سعادة لحظة واحدة .. لا أحد .