التاريخ يشكّله ثلاثة أنواع من الحكام: ملوك صالحون، وطغاة فاتحون، وأباطرة مجانين.. والفئة الأخيرة هي التي تهمنا في مقال اليوم حيث يتبلور الجنون إما بطريقة وراثية أو عقدية أو ببساطة كنتيجة طارئة لجرعات زائدة من جنون العظمة.. * فأرشيدوق النمسا فرانسوا فرديناند مثلا كان شديد الغرور والاعجاب بالنفس ؛ فكلما اراد الظهور للعامة كان يطلب ان تخاط بزته على جسمه بشكل مغلق كي لايظهر عليها اى تجعيد او اثر لفتحات الزراير . ولكن لسوء الحظ الرصاصة التى اطلقت عليه (فى الثامن من يونيو 1914 فى سراييفو) لم يستطع معاونوه استخراجها فى الوقت المناسب بسبب خياطة البزة من كل جانب وعدم وجود اي فتحة تتيح خلعها .. وهكذا نزف الارشيدوق حتى الموت الامر الذى ترتب عليه اندلاع الحرب العالمية الاولى .. والتي بدورها ترتب عليها اندلاع الحرب العالمية الثانية !!! * أما إمبراطور فرنسا في القرن الرابع عشر تشارلز الخامس فكان يلقب ب"الامبراطور الزجاجي" لأنه كان مقتنعا بأن جسده يتحول تدرجيا الى كريستال خالص .. ولأخذ الاحتياطات اللازمة أمر بفرش طرقات القصر باللباد وامتنع عن ركوب الجياد ورفض المشي في طرقات المدينة وكل ذلك كي لايقع او يقذفه احد بحجر فيتهشم!! * أما جيمس الرابع امبراطور اسكتلندا في القرن السادس عشر فكان يحسد الحيوانات على مواهبها؛ وفي آخر عمره أصابه الخرف واصبح يقضي أياما يلبس مخالب نمر أو يضع ريشا كالطاووس وكاد يغرق أثناء محاولته تقليد السمك بالتنفس تحت الماء.. وفي النهاية اصبح مقعدا تماما بعد أن حاول الطيران من فوق القصر مقلدا النسور!! * وبالطبع من حق كل زعيم اتخاذ مايلزم لتأمين سلامته، ولكن المشكلة هي أن هناك من احتاط اكثر من اللازم.. فميتريدات السادس ملك اليونان القديمة وعدو روما اللدود كان يخشى دائما ان يغتاله اعداؤه بالسم؛ ولتلافى مثل هذا المصير المؤلم عوّد نفسه على ابتلاع جرعات صغيرة من السم كل صباح لعله يمتلك المناعة المناسبة . وبالفعل تحقق له ما اراد؛ فحين هزمه الرومان واقتربوا من قصره قرر الانتحار فلم يجد امامه الا مخزن السم فازدرد منه كميات كبيرة لعله يموت فلم يفلح ، وظل على هذه الحال حتى أسره الرومان وساقوه لروما مهانا ذليلا... * أما الامبراطور مينيليلك الثاني مؤسس الدولةة الاثيوبية الحديثة وأحد اعظم حكام افريقيا فى العصر الحديث فقد كان يأكل صفحات من التوراة كلما شعر باعتلال فى صحته .. وفى ديسمبر عام 1913 اصيب بنوبة قلبية خطيرة قرر بعدها الوصول لمرحلة (الشفاء النهائي) فابتلع فصلا كاملا من التوراة بعنوان "سفر الملوك" فمات نتيجة ذلك!! * وفى العصور الوسطى لم يكن الاوربيون يعرفون الاستحمام .. وكان قصر اللوفر على اتساعه وفخامته لايضم حماما واحدا.. ومن المعروف ان لويس الرابع عشر ملك فرنسا (الملقب بالملك الشمس لعظمته) توفي ولم يغتسل أبدا... ومقارنة بلويس الرابع عشر كانت ملكة بريطانيا اليزابيث الاولى ترى انها أنظف شخص في اوروبا ؛ فمما يذكر انها تبجحت ذات يوم امام السفير الفرنسي بقولها إنها تغتسل مرة كل ثلاثه اشهر "سواء دعت الحاجة لذلك او لم تدعُ "!! * وفي القرن الخامس عشر كان لويفي الثاني حاكم سافوي (جزء من فرنسا حاليا ) يعتقد ان النوم هو سر الحياة الطويلة ؛ ولأنه يطمع لتجاوز سن المائة قرر النوم 22 ساعة في اليوم . وهكذا لم يعد يستيقظ الا مرتين لمدة ساعة يتناول فيها طعامه ويصرّف خلالها امور المقاطعة ثم يعود للنوم .. ومن الواضح انه سلك الطريق الخطأ ؛ فقد مات اثناء نومه قبل سن الخمسين!! * وأخيراً ؛ من غير المستبعد أن يجمع أحد الحكام بين المواهب الثلاث الجنون والقسوة والحرص على مصالح الأمة.. ومثال ذلك أتوبال ملك بافاريا (جزء من ألمانيا الآن) الذي كان يعشق البنادق ويبدأ صباحه بتصويب أحد المارة من شرفة قصره. وخوفا على حياة الناس (ولأنه رجل مثقف لا يجيد التصويب أصلا) اتفق رئيس البلاط مع قائد الجيش على جعل أحد الجنود يمر كل صباح أمام القصر كي يحظى بالتصويبة الملكية.. وفي المقابل كان يتم حشو البندقية برصاصات فارغة بحيث يسقط الجندي بمجرد سماع الصوت ، وبهذه الطريقة يذهب الجميع لتناول فطورهم سعداء!