ليست مشكلة الشاعر في بعض الأحيان تكمن في توقف القريحة عن مداد قلمه وحروف الكلام فقط ، ولا في تناول المعاني فقط ، بل مشكلته الحقيقية تكمن في عدم مصداقية مشاعره وأحاسيسه ، فهو قد يرغمها على البوح ويستنطقها بسوط الرغبة في الظهور أو الحضور أو التقرب لأي غرض كان ، فينتج قصيدة بلا نكهة ولا طعم أو ذوق ولا رائحة ، وذلك بسبب تشويه أهدافها. أما ما يشوه الأهداف والأغراض والمقاصد فأوله اجترار الأبيات لغرض التكسب بمعانيها وصورها الشعرية أو من أجل الإطراب بها لمن حوله ، فيكون الدافع خارج الوجدان منفصل على الحس الصادق فتأتي القصيدة خديج ركام الحروف، اسمها فقط قصيدة .وهذا الأسلوب يصبغها بالجمود ويلونها بالرمادية المعتمة كما هو الورد الصناعي والشجرة المصنوعة من البلاستيك ، تفقد رونقها وتفاعل المتلقي مع مضامينها ولا يجد ميلا لتلقيها . والساحة العامة اليوم مليئة بمثل هذه القصائد التي قد اكتملت في كل شروطها إلا من أهمها وهو صدق المشاعر ، فتجوفت من الداخل وفقدت روحها إن كان للقصيدة روحاً تنبض يدركها المتلقي أيا كانت ثقافته. وليس من العسير التمييز بين خالية الروح المفرغة منها وبين القصيدة النابعة من قلب قائلها وذلك لامتلاك الأخيرة المؤثر الحقيقي الذي تستقبله الأذن وتعشقه النفس وتنبعث منه رائحة العطاء الجيد. ولعل في إيرادي لقصيدة الشاعر: ظافر بن مرضي الودعاني ما يختصر الكثير من القول الذي أريد أن أقوله و يفترض أن أطرحه هنا عن دوافع قول الشعر ومتى ينثر الشاعر أحاسيسه. ففي القصيدة يبين شاعرها أن الشعر نفسه يقتحم الهدوء ويفرض عليه التعبير بصدق لا بغرض خارج عنه، فالنداء الأول من الإحساس لا من الشاعر . إن الشاعر هنا يرفض التكسب ويستعيبه بقوله ( ياكوداه) ولا يقصد إسماع الآخرين ولا الهجاء أو المدح بلا مبرر فهو يقول : ولامن بدعت القاف ما مقصدي بغناه ولا مقصدي بيض الغنادير يوحنه ولا مقصدي باشحذ به الناس ياكوداه ولا ذاكر في الناس مدح ولا زنه والسؤال هنا : إذا لماذا ومتى يقول الشعر ؟ والجواب قاله في هذا البيت : أقوله يلا من شفت صدري عذابه جاه وزادت هواجيسه وقامن يحشرنه وكأنه يعطينا بداية فرض القصيدة نفسها على الشاعر لا اجترار الأحاسيس وقسرها لكي ترضي الآخرين . أما المكان المناسب فلعل لكل شاعر مكانه المناسب ولكن يبدو أن الكثير من الشعراء يفضلون الهدوء وخلو المكان لتصفو أحاسيسهم ويتوحد الشاعر بنفسه وهذا لا يكون إلا في الخلا الخالي والبر البعيد أو المرتفع حيث لا شيء يرد النظر أو يعيد صدى الصوت أو يضطر لخفضه ، كما قال الشاعر : تنحرت جو خالي والخلا محلاه على طول صوتك ماتبي في الخلا غنه وأما المضمون فهو مجموعة انفعالات الشاعر و رغباته وتطلعاته وما يتحلى به من عزة نفس وارتفاع عن طلب المخلوقين ، وذلك بالصدق أولا وأن لا يكون مع الريح إذا هبت هنا وهناك ، وأن تكون كلماته لا تزلف فيها ولا محاباة بل متوافقة مع شرف هذا الأدب الرفيع الذي له مكانته في الأدب فيضعه حيث يناسبه . فهو يقول : انا احب عز النفس واحب سترالجاه ولا اريد شي فيه لأبن آدم منّة وانا كلمتي لا قلتها قلتها لله ولا اصدق إلا اللي عيوني يشوفنه وهذه قصيدته بما عبر فيها للمتلقي من فيض المشاعر ذات الأسلوب الرفيع السهل والتوافق بين المعاني والمباني والأغراض التي اختارها لتكون درساً لكل شاعر يريد التألق يقول : أنا كل ماصليت وقت طلبت الله يزين لي الدنيا ويضمن لي الجنة جزيل العطايا طالبه ماطلبت سواه جزيل العطايا كل رزق يجي منه عساني من اللي يلحق مناه في دنياه وعساني من اللي يتبع الهدي والسنة وانا لابدعت القاف ماكادني مبناه ولاني غشيم في شروطه وفي فنه اجيب القوافي كل منها على معناه أخرزه كما خرز الخراريز للشنة ولامن بدعت القاف ما مقصدي بغناه ولا مقصدي بيض الغنادير يوحنه ولا مقصدي باشحذ به الناس ياكوداه ولا ذاكر في الناس مدح ولا زنه أقوله يلا من شفت صدري عذابه جاه وزادت هواجيسه وقامن يحشرنه تنحرت جو خالي والخلا محلاه على طول صوتك ماتبي في الخلا غنه وانا رغبتي واجد وياكثرها كثراه ولخصت عنها موجز بخبرك عنه انا احب عز النفس واحب ستر الجاه ولا اريد شي فيه لابن آدم منة وانا كلمتي لاقلتها قلتها لله ولا اصدق إلا اللي عيوني يشوفنه وانا رغبتي في البر والا البلد ما ابغاه أحب الفياض اللي بها العشب له خنة وانا لا طرالي وقتي اللي مضى قلت آآه زمان مضى ليت الليالي يردنه زمان السعادة والهنا وين بعد ألقاه يقولون لي بي عود وأقول ما أظنه وانا النازح اللي عن بلاده نزح عزاه ثمان سنوات والوطن نازح عنه وجودي على دار جنوب الحسي وجداه عليها يحن القلب حنه ورى حنة يلا من طرت لي حجر عيني يجيب املاه جداي التوجد والتنهات والونة