لا تقدم المبالغ المرصودة لخطة التنمية التاسعة إيحاءات أو إشارات لمسار التطوير في المملكة، بل تعطي براهين ثابتة لعزم القيادة السعودية وتوجهها نحو تحقيق قفزة تنموية كبيرة، فتعمد إلى الاستثمار الضخم والمتوازن في مختلف جوانب المجتمع، مع تغليب طفيف لتأهيل الكوادر البشرية وتطويرها، في وقت تتشاغل الكثير من الدول بالاستثمار في الحجر عن البشر الذين يشكلون طاقة كامنة ورأسمال متجدد. وإذ تسعى التنمية في جوهرها إلى توفير حياة أفضل للإنسان. وهي في ذلك تستجيب لاحتياجاته المُتجددة من جهة، وتستجيب أيضاً للتزايد السكاني وتوسع دائرة هذه الاحتياجات من جهة أخرى. ومن أجل هذه الاستجابة تهتم التنمية بتعزيز إمكانات الإنسان وتوفير الوسائل اللازمة لتفعيلها والاستفادة منها؛ فإذا كان الإنسان هو هدف التنمية ومقصدها، فهو أيضاً المسؤول عن القيام بها. وتُعتبر الاتصالات وتقنية المعلومات من بين أهم الوسائل التي تُسهم في تفعيل إمكانات الإنسان وأدائه لدوره في المُجتمع. ولذا جاءت الخطة الوطنية الخمسية التاسعة للتنمية لتؤكد حضور قطاع الاتصالات من بين خمسة قطاعات رئيسة. وسوف استعرض قطاعات التنمية الخمسة هذه، وأقوم بالتركيز في قطاع الاتصالات الذي لا شك سيُسهم في تطوير الأداء المهني والتفاعل الاجتماعي، بما يعود بالنفع على المُجتمع ويُعزز التنمية على كافة المحاور الأخرى. تشمل قطاعات التنمية الخمسة في الخطة التاسعة: تنمية الموارد البشرية؛ والتنمية الاجتماعية والصحية؛ وتنمية الموارد الاقتصادية؛ وتنمية قطاع النقل والاتصالات؛ وتنمية قطاع الخدمات البلدية والإسكان. ومن الواضح أن محور جميع هذه القطاعات هو الإنسان. ففي تنمية الموارد البشرية تنمية لإمكاناته؛ وفي التنمية الاجتماعية والصحية رعاية له؛ وفي تنمية الموارد الاقتصادية توظيف وتمكين لقدراته؛ وفي تنمية قطاع النقل والاتصالات تفعيل لنشاطاته؛ وفي تنمية قطاع الخدمات البلدية والإسكان تنظيم واستجابة لشؤون حياته. في إطار قطاع الاتصالات، تطرح الخطة أربعة أهداف رئيسة لتنمية هذا القطاع. ويرتبط كُل من هذه الأهداف بقضية رئيسة من قضاياه. فأولها يُركز على (البنية الأساس للاتصالات)؛ ويتطلع إلى توفيرها لكافة شرائح المُجتمع وفي مُختلف المناطق في إطار من الجودة والأمن والوثوقية، وبأسعار معقولة. ويهتم الهدف الثاني (بأمن المعلومات) المُتداولة بين مُستخدمي خدمات الاتصالات. ويرتبط الهدف الثالث بموضوع بناء القدرات في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات. ثُم يُركز الهدف الرابع والأخير على بناء صناعة وطنية لتقنيات الاتصالات والمعلومات، تسهم بفعالية في تغطية الطلب على السلع والخدمات؛ ويُفيد هذا الهدف في نقل هذه التقنيات وتوطينها، وفي الحد من الاستيراد، والتوجه نحو التصدير في المُستقبل. وعبر العمل على تحقيق الأهداف السابقة تُعطي الخطة توقعات مُحددة حول ما يُمكن تحقيقه من مُنجزات. وتتضمن المُنجزات المتوقعة هذه توفير سعة أكبر لقنوات الاتصال، ويُعبر عن هذه السعة بعرض النطاق الترددي (Frequency Bandwidth) بالنسبة لعدد السكان. وتشمل أيضاً زيادة عدد مُستخدمي (الإنترنت) بالنسبة لعدد السكان؛ والحد من التباين في عدد الهواتف الثابتة بالنسبة لعدد السكان في مناطق المملكة المُختلفة؛ إضافة إلى (تطوير تجهيزات) الاتصالات وتقنية المعلومات في المُؤسسات الحكومية والقطاع الخاص و(توسيع مدى تطبيقاتها) والاستفادة منها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخطة تُؤكد على الإسراع في استكمال تنفيذ برنامج التعاملات الإلكترونية، في إطار سياسات (التطوير الإداري). ويُبين ما سبق أن الخطة تسعى إلى تعزيز مواصفات تقنيات الاتصالات المتوفرة, وتفعيل دورها في كونها أداة يستخدمها الإنسان في تفعيل التنمية المنشودة. ولما كان الإنسان هو جوهر عملية التنمية يمكن إجمال عنوان لهذه الخطة بالقول "الإنسان.. الغاية والوسيلة" ولذا الأمل معقود الآن على وضع الخطة بكافة جوانبها موضع التنفيذ العملي، وتأتي مسؤولية الإنسان وجهوده على رأس مُتطلبات هذا التنفيذ، خصوصاً وأن وراء الخطة ميزانية كبرى غير مسبوقة يُؤمل، بمسؤولية الإنسان وجهده، أن تتحول من أفكار جميلة على الورق إلى واقع ملموس.