بعد كل هجوم في أفغانستان يدعو السياسيون إلى تقديم أولئك المسؤولين عن هذه الهجمات للعدالة حيث صار ذلك هو رد الفعل الروتيني الذي لا يقدم ولا يؤخر. ولا تمثل حالة موظفي الصحة الذين قتلوا في الاسبوع الماضي شمال شرق أفغانستان من بينهم ستة رعايا أمريكيين وألماني وبريطاني أي اختلاف. فهنا أيضا طالبت الحكومة الالمانية على سبيل المثال "بمعاقبة مرتكبي هذه الجريمة". لكن التجربة أثبتت أن كل هذه المطالب تظل حتما مجرد أماني . وحتى في أحسن الاحتمالات لو تم إلقاء القبض على القتلة فإنهم قلما ينتهي بهم المطاف أبدا إلى السجن. في مايو 2009 تمكنت وحدة من القوات الخاصة الالمانية من تحقيق نوع من الانجاز البطولي في شمال أفغانستان. فبعد مطاردة استمرة عدة ساعات استطاع الجنود أسر شخص يشتبه بأنه من زعماء طالبان ويعتقد أنه نفذ هجمات ضد القوات الالمانية. بعدها قال وزير الخارجية الالماني آنذاك فرانز جوزيف يونج "إن أي أحد يهاجم جنودنا أو جنود حلفائنا في أفغانستان ل ابد أن يعلم أنه سيتم محاربته وتقديمه للعدالة". وبالفعل جرى تسليم المشتبه به ويدعى عبد الرزاق للادعاء في كابول. وقال كريستيان شميدت وكيل وزارة الدفاع للشؤون البرلمانية "يحدونا الامل في التعجيل بمحاكمته وإدانته وفق مبادئ القانون المعترف بها". لكن القصة انتهت إلى لا شيء في كابول . ولم يسمع أحد على الاطلاق عن اتخاذ أي إجراءات قضائية بحقه ناهيك عن إدانته. وإذا ما ألح أي أحد في أسئلته تنصحه السلطات الافغانية بنسيان الموضوع. ومع ذلك فإن المحتمل تماما أن يكون عبد الرزاق يعاني الكرب الان في أحد السجون السرية وهو أمر بالتأكيد لا يتفق مع مبادىء القانون المعترف بها. لكن من المحتمل أيضا أن يكون قد اشترى ببساطة حريته بالمال. وهذا ما حدث في حالة أحد زعماء طالبان ويدعى الملا نقيب الله أو على حد زعمه على الاقل. وهو متهم بشن هجمات على القوات البريطانية في إقليم هلمند. فقد قال للهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) في يناير 2008 إن قوات الامن اعتقلته ثلاث مرات لكنه كان يتمكن دائما من الخروج من السجن عن طريق الرشوة. وبشأن أحدث قضية له قال إنه استطاع رشوة ضابط أفغاني ب 15 ألف دولار. وتعتبر الشرطة الافغانية والسلطات القانونية من الجهات التي يستشري فيها الفساد . ولذا تخصص لهما طالبان أموالا كثيرة وهي تأتي معظمها من تجارة المخدرات غير المشروعة التي تساهم بدورها في تفشي الفساد. وتستهدف القوات الخاصة الامريكية بعضا من الرجال الاقوياء الافغان الذين يعتقد أنهم وراء الهجمات التي أسفرت عن إزهاق الارواح. وفي الاونة الاخيرة ذكر ضابط ألماني برتبة نقيب في قندوز أن جنوده اعتقلوا عددا من المشتبه بهم وسلموهم للشرطة وما كان من هذه الاخيرة أن أخلت سبيلهم أمام مشهد ومرأى من الجنود الالمان. والحق يقال إن العدالة لم تنفذ فيما يتعلق ببعض الهجمات التي وقعت خلال الاعوام الاخيرة ليس فقط ضد الجنود ولكن أيضا ضد موظفي الاغاثة والصحفيين. وهذا ما دعا منظمة أطباء بلا حدود إلى الانسحاب من أفغانستان حتى عام 2009 بعد تعرض فريق لها لهجوم أسفر عن مقتل اثنين من الاجانب وأفغانيين اثنين. واتهمت المنظمة قبل انسحابها الحكومة الافغانية بالتقاعس عن التحقيق في هذه الهجمات الدامية.وهناك مثال آخر وهو مقتل اثنين من الصحفيين يعملان في إذاعة دويتشه فيله "صوت ألمانيا" وهما كارين فيشر وكريستيان شتروفه في صيف 2006 . وعندما مر على هذا الحادث عامان دون أن توجه اتهامات إلى أحد ، قالت الاذاعة الالمانية " لقد حان الوقت لكي يعتقل أولئك المسؤولين والاعلان عن ملابسات هذا الجريمة وأن الضحايا وأسرهم لهم دين كبير" في عنقنا". وما حدث بعد ذلك لم يكن مفاجئا لاحد . فلم يحدث أي شيء.