نشر السيد (بن ولدافسكي) وهو باحث معروف يعمل حالياً في أهم مؤسسة فكرية عالمية وهي مؤسسة «بروكنغز» في واشنطن ومحرر للصفحة التعليمية في عدد من أكبر المجلات والجرائد من بينها «النيويورك تايمز» و«الواشنطن بوست» ومشارك في بعض أهم مراكز الأبحاث والدراسات في العالم كتاباً بعنوان: «سباق العقول العظيم» ناقش فيه التطورات الكبرى في مجال البحث العلمي والسباق نحو بناء أفضل الجامعات واستقطاب زبدة العقول في العالم.. وتطرق من خلال دراسته إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. * * * ربما كانت أهم محاولة لإقامة جامعة عالمية المستوى في دولة نامية تجتهد للحاق بركب التفوق العلمي هي تلك التي يتم استكمال عناصرها في المملكة العربية السعودية، فقد فتحت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية أبوابها في سبتمبر عام 2009م، وتطمح الجامعة لأن تكون مركزاً عالمياً للدراسات العليا، حيث أصبحت تضم نخبة من أفضل الأسماء المعروفة في ميادين الأبحاث والعلوم.. وتمكنت من إقامة علاقات مع أفضل الجامعات، وباتت تطمح لأن تحتل مكاناً في صفوفها.. كما أن قيامها يعيد إلى الذاكرة العصر الذهبي للإسلام.. حيث قارن مؤسس هذه الجامعة وراعي مسيرتها الملك عبدالله في حفل الافتتاح بينها وبين بيت الحكمة، المركز التاريخي والعظيم للأبحاث والتعليم الذي تميز وتلألأت أنواره بين القرن التاسع والقرن الثالث عشر الميلادي. وفي الوقت الحاضر فإن المملكة التي أنعم عليها بثروة البترول تتطلع إلى مستقبل يكون الفكر والابداع أهم ثرواته.. ولهذا فليس من المستغرب أن يكون التعليم العالي على وجه الخصوص أولوية عالية الأهمية للسعوديين، وإذا أردنا أن نتحقق من التزام السعوديين واهتمامهم بهذه الجامعة فإننا سنلحظ أول ما نلحظ العطاء السخي والوقف الذي كرسه الملك عبدالله لهذه الجامعة والمقدر بحوالي عشرة بلايين دولار.. وهذا يفوق أو يساوي سادس وقف تنعم به جامعة كبرى في العالم.. ويتوقع أن ينمو هذا الوقف مع الزمن ليصل إلى 25 بليون دولار جاعلاً من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية الجامعة الثانية على مستوى العالم بعد جامعة هارفرد.. وقد أظهر الملك عبدالله حنكة وحكمة عالمية عندما وجه بأن يتم بناء الجامعة من قبل أرامكو التي تحظى بتقدير عال لأسلوبها العلمي الفعال.. المؤشر الآخر على الطموح العالمي لهذه الجامعة يكمن في اختيار أول رئيس لها وهو تشون فونغ شي المهندس المتخرج من هارفرد والذي عمل في جامعة سنغافورة الوطنية، تلك الجامعة التي حققت قفزات هائلة في سعيها لأن تكون مركزاً عالمياً للفكر والابداع خلال رئاسته لها.. «الجامعة» اجتذبت خبرات إدارية وعلمية من جامعات عريقة لكن العنصر الأهم في المعادلة والرؤية التي قامت عليها كاوست هو هذا القدر الهائل من الشراكات والعلاقات العلمية التي أقامتها مع أعظم مراكز العلم في الغرب وعلى مستوى العالم.. فقد عقدت اتفاقات تمت صياغتها بعناية فائقة مع المراكز المتخصصة في الميادين التي تأمل كاوست ببناء خبرة عالية فيها وفي وقت قصير، وتضم قائمة الشركاء قسم الهندسة الميكانيكية في جامعة كلفورنيا ببيركلي ومعهد حسابات علوم الأرض والهندسة في جامعة تكساس، ومراكز علوم الحاسب الآلي والرياضيات التطبيقية في جامعة ستانفورد، ومراكز علوم الأحياء وعلوم هندسة الأحياء في جامعة كامبردج، ومعاهد الهندسة الكيميائية وعلوم المادة والهندسة في الكلية الملكية بلندن. وستحظى كاوست أيضاً بالخبرة الإدارية والعلمية لمجلس إدارة مميز يضم بين جنباته قيادات علمية محنكة ومجربة ورجال علم مثل فرانك رودس، الرئيس الدائم لجامعة كورنيل الشهيرة، وفرانك بريس الرئيس الدائم لاكاديمية العلوم الوطنية، وريتشارد سايكس مدير الكلية الملكية. وفي اطار طموحها لأن تكون جامعة منفتحة على العالم ستستقبل الجامعة الشباب والشابات، وستمنح الجامعة زمالات مجزية تشمل النفقات الدراسية ومصاريف معيشية للطلاب الذين يتم استقطابهم من مختلف دول العالم في برامج الدراسات العليا.. وكما هي الحال في كل الجامعات رفيعة المستوى فإن استقطاب باحثين ذوي قدرات ومهارات عالية أمر بالغ الأهمية، وفي ذات اللحظة التي كان البناء يتم على قدم وساق في جامعة هي أشبه ما تكون بالمدينة فقد كانت الجهود الجبارة تبذل في بناء الهيكل الأساسي للطاقم التعليمي والبحثي الذي هو العمود الفقري لأي جامعة عظيمة، وفي ظل غياب هيئة تعليمية تمارس الدور المعتاد في اجتذاب وتوظيف الأساتذة الجدد، فقد عمدت الجامعة إلى إسناد هذا الدور لشركائها العالميين، الذين اسندت لهم مسئولية تصميم المناهج كل في مجال تخصصه، وقد قامت هذه المؤسسات باجراء لقاءات مع المرشحين في كل مكان من العالم، وقدمت لجامعة كاوست النصيحة فيما تراه مناسباً لاجتذاب أفضل المرشحين، أما القرار الأخير فيما يخص التعيينات فقد بقي في يد كاوست التي حددت الحوافز المالية وغيرها. افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ولقد كان التحدي عظيماً.. فالعمل مع مؤسسة في مكان قصي من العالم في بلد صحراوي ذي أسلوب محافظ ونمط إسلامي قد لا يبدو من النظرة الأولى مغرياً لعلماء قادمين من أمريكا أو بريطانيا وغيرها.. ومع كل هذا فقد اجتذب افتتاح كاوست وبشكل متسارع الكثير من اهتمام العلماء.. وينقل المؤلف عن عالم يعمل في جامعة ستانفورد انه التقى في صباح أحد الأيام المبكر بما لا يقل عن 15 استاذاً جامعياً أبدوا رغبتهم للالتحاق بكاوست. وقال: «ان الحصول على 15 استاذاً في حقل الحاسب الآلي ليس بالأمر الهين». هذا بشكل عام أما عندما يكون اللقاء في الثامنة صباحاً كما حددنا فإن الأمر يكاد أن يكون مستحيلاً.. وهذا يبين مدى الرغببة في هذه الجامعة الفتية. ويلاحظ المؤلف أن نسبة من صوتوا لصالح التعاون مع كاوست في قسم الهندسة الميكانيكية في جامعة كلفورنيا العظيمة في بيركلي قد كان 34 ضد اثنين، وقد يعود هذا الاهتمام للحوافز العلمية والمادية، ومع هذا فإن المال ليس هو السبب الأساسي للرغبة في الالتحاق بهذا المشروع العلمي الفتي، حيث يقول البروفسور لاتومب من جامعة ستانفورد «نحن بالتأكيد سنحصل على بعض الدعم نتيجة لهذا الاتفاق لكن زملائي مهتمون بما يمكن ان يحدثه هذا العمل من أثر في المنطقة، هناك البعض من الذين يرون أن المساهمة في مشروع جديد وصعب أمر شديد الاغراء.. خصوصاً إذا كان في بلد كالسعودية.. فبناء جامعة مفتوحة لا تعيقها موانع عرقية أو اقليمية هو تحد كبير.. وككل الذين يرغبون في جلب وسائل وتقنيات التعليم العالمية لمنطقة الشرق الأوسط فإن الدكتور لاتومب مقتنع بأن وصول جامعة كاوست للمرتبة العالمية سيغير الحياة في السعودية، حيث يشير هو وغيره إلى الأثر التنويري الذي يتركه اختلاط الطلاب السعوديين مع زملائهم من مختلف أنحاء العالم، وما يحققه التعليم الحديث من تفتيح للمدارك، اضف إلى هذا مشاعر الاعتزاز في رؤية المملكة وقد تحولت من مستهلك إلى منتج للعلوم والمعارف.. ولقد كتب رئيس المجلس الأعلى لجامعة كاليفورنيا، بيركلي السيد/ وليام درومند لصحيفة «كونترا كوستا» المحلية حول ما أثير من تساؤل عما ستوفره الجامعة من أجواء اكاديمية عالمية فقال: ان لجنة داخلية قد تفحصت قسم الهندسة الميكانيكية فجأة وبدقة بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بشأن هذه المسائل ووجدت أنها مرضية. وفي الختام يعتقد أحد كبار الخبراء في ميدان التعليم العالي في واشنطن ورئيس مؤسسة لومينا لأبحاث التعليم «ان منظومة جديدة من المعاهد البحثية والجامعات قد ترى النور في العقد القادم»، حيث يقول لفترة من الزمن لم يكن لدينا سوى مجموعة محددة مما يمكن أن نسميه الجامعات عالمية المكانة، لكنني أتصور أن ما يجري في الصين وما يجري في السعودية من خلال جامعة الملك عبدالله، وما نراه من إعادة ترتيب أوضاع بعض الجامعات في أوروبا فإن كل ذلك قد يؤدي إلى نشوء مجموعة جديدة من الجامعات الراقية على مستوى العالم. ويعتقد هذا الخبير أن بعض الجامعات العريقة فقدت قدراً من المكانة المتميزة التي كانت تتمتع بها من قبل لصالح جامعات أخرى، ويقول انه خلال الخمسين سنة القادمة فإن عدداً متزايداً من الجامعات التي تعنى بالأبحاث ستقام في العديد من الدول، والاحتمال الأرجح في رأيه، ان كثيراً من الجامعات الجديدة ستكون ذات مستوى عالمي رفيع. خادم الحرمين خلال حديثه إلى الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس اليمني علي عبدالله صالح في حفل افتتاح الجامعة زيارات الملك عبدالله بن عبدالعزيز التفقدية جامعة الملك عبدالله للعوم والتقنية افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية جانب من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية