أحياناً نحتاج إلى طرح البدهيات. أول بدهية أن المرأة مواطنة ، وليست مجرد زوجة مواطن. والمواطَنة لغوياً صيغة مفاعلة، هناك حراك بين الوطن والمواطِنة، والمساواة بين الرجل والمرأة متحققة قانونياً ففي النظام السعودي كله لا يوجد ما يمنع المرأة من الاستثمار، كما لا يوجد فيه تمييز الرجل عن المرأة، هناك بعض التعويمات النظامية العادية، لكن كصيغة قانونية ونظامية لا يوجد ما يميّز المرأة عن الرجل على المستوى القانوني والنظامي. العوائق التي تحول بين المرأة وبين حرية حركتها الاجتماعية والاقتصادية تعود لمنظومة موروثات ثقافية مجتمعية عملت بشكل ضاغط ومؤثر أكثر من القانون ذاته . أو بعبارة أخرى ، بسبب عوائق ثقافية، أساسها المجتمع وليس النظام. من أبرز تلك العوائق البيروقراطية فهي وفق إدارات المباني الحكومية لا تستطيع أن تباشر عملها بنفسها بسبب المطالبة بالوكيل، أو المحرم، علماً أنه لا يوجد نص نظامي يطلب من المرأة إحضار محرم لها إلا في مسألة السفر إلى الخارج في الجوازات وفق تعميم داخلي فقط. لكن الكارثة أن السلطة الاجتماعية صارت أقوى من النص القانوني. السلطة الاجتماعية غيّبت الحق القانوني للمرأة. بمعنىً آخر المرأة الراغبة في الحركة الاقتصادية مثلاً لا تستطيع التمكّن من دخول مكتب العمل لمراجعة أوراقها، وذلك بسبب السلطة الاجتماعية والثقافية، وبسبب البيروقراطية وإهمال حق المرأة الممنوح لها نظاماً بعدم تقييد حركتها. لذلك ، لا غرابة أن تتحول أموال النساء السعوديات إلى أموال مجمّدة، كما قرأنا في تقرير صادر عن شركة متخصصة بالمعلومات الاقتصادية ونشرت "الرياض" خلاصته في 3 أغسطس الجاري الذي بيّن أن هناك أكثر من 11 مليار دولار تملكها نساء سعوديات . ولا أعلم كيف لا يساءل التكريس التشريعي الاجتماعي الذي جعل من كل التوظيفات المؤدلجة ضد تفعيل الدور الاقتصادي للمرأة باستغلال اللغة الدينية نفسه عن مباشرة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها تجارتها بنفسها ؟ ، لعلنا نقترب من الصورة الاجتماعية الكاشفة لكيفية تعاطي ذلك التكريس مع موروثهم الذي يغذي سلطته الاجتماعية القابضة ! . إن تحجيم حراك المرأة اقتصادياً هو شكل من أشكال الانتهاك الإنساني الذي كفلته لها الشريعة والقانون ، ولكن عندما ترسم حدود هذا الحراك تصبح السلطة متوارية خلف مجتمع لايريد التنفس إلا برئة واحدة الرجل . وإذا كان ليس ثمة ما يعيق حركة المرأة في مجال الاستثمار من جهة النظام والقانون، فلا أقل من إعادة الاعتبار للنظام بوصفه الحل من أجل زحزحة العوائق المفتعلة الناشئة عن العطب الإداري كالبيروقراطية، أو عن الخلل الثقافي كالنظرة الدونية للمرأة وحبسها أمام أبواب الدوائر الحكومية. إذا أزلنا تلك الأسباب فستضخ تلك المليارات الأحد عشر في الوطن، فهو مبلغ خرافي وبقاء العوائق ضد استثمار المرأة بلا حل خطأ جسيم . صحيح أنني لا أجزم لصالح من ذلك ... ؟! سوى أنني متأكدة أنه ليس في صالح الوطن ! .