كان للمزارعين والفلاحين في الزمن الماضي ومنذ أن عرف الإنسان الزراعة حسابات فلكية محددة موسمية عرفوها من خلال التجربة والخبرات المتوالية التراكمية عبر القرون والسنين ومن المعلوم أن هذا الفلاح في الغالب يكون عامياً لا يقرأ ولا يكتب ومع هذه العامية الصرفة فإنه يعرف مواعيد الزرع بدقة متناهية وحاذقة أو انه يستعين بأناس لهم دراية بعلم الفلك ومواعيد البذر وهم كذلك عوام لكنهم اكتسبوا هذا العلم من الثقافة العامة الشعبية وليست بالدراسة ولكن بالتلقي وبعضهم كان يقرأ بعض المؤلفات في الفلك أو ما يسمى بعلم الحرث والزراعة والفلاحة فالتراث الزراعي الفلكي عريق وقديم وموجود لدى كل بيئة زراعية في العالم ثم تنظم هذا العلم وأصبحت كليات للزراعة تضبط عملية الزراعة بمواقيت وصدرت مجلات ونشرات عن الزراعة وبالذات في الغرب ترشد المزارع إلى كيفية زراعة المحاصيل والحقول بأنواعها ومختلف أصنافها. هذا فضلاً عن الدراسات الحديثة ومراكز البحوث الزراعية التي تدأب على مواصلة البحث في علوم الزراعة مما يدعم جودة المحاصيل في عالم الفلاحة نجد أخبارا وحكايات مذهلة ومثيرة للانتباه حول تحديد بذر الزرع بالساعة وليس باليوم.. يروي الشيخ المؤرخ عاتق بن غيث البلادي رحمه الله تعالى في كتابه القيم والممتع "الأدب الشعبي في الحجاز"بعنوان "حكى" قائلاً :حكى لي شيخ لازال حيا وقت صدور الكتاب 1402ه كنت قد عملت مشاعيب في مزرعتي لأزرع فيها "خربز" قد بدأت فسرحت إلى تلك المشاعيب أزرعها فلما زرعت ثلاثة منها مر بي فلان يتعلم الحساب (حساب الفلك) فقال ماذا تعمل يا عم فلان؟ قلت: أزرع "خربز" قال : انتظر حتى تصلي العصر أو قال الظهر فقلت : بل أزرع الآن فتجادلنا فحلف علي لا يثمر خربزك هذا حبة واحدة فتظاهرت بعدم تصديقه فلما ذهب قلت في نفسي ما الذي يمنعني من الانتظار ساعات وهكذا كان فو الله ما قطفت ما زرعت أول النهار خربزة واحدة والرجل معروف لدي وثقة من الثقات ثم علق الشيخ عاتق قائلاً: ترى أيه دقة في هذا الحساب وأي مرشد زراعي يستطيع الوصول إلى هذا الفهم؟ ويسرد الأستاذ الباحث د: محمد الشثري في تحقيقه لجدول في علم الحرث على حساب الشثور حادثة مشابهة لقصة ورواية الشيخ عاتق حيث ان الشيخ صالح الشثري ت 1309 مر على أشخاص يقطعون أثلاً في الحوطة قبل صلاة العصر في أحد الأيام والمواسم فلم يقل لهم شيئاً ولما انتهت صلاة العصر رجعوا ليكملوا بقية قطع الأثل فنهاهم عن ذلك فأرادوا أن يتأكدوا من صحة كلام الشيخ صالح فوسموا الأثل الذي قطع قبل الصلاة وبعدها وبعد مدة وجدوا أن الذي قطع بعد الصلاة قد نخره سوس والذي قطع قبل الصلاة لم يؤثر فيه السوس والشيخ صالح رحمه الله ضليع بعلم الفلك الزراعي ويروي لنا المؤرخ محمد الشثري رواية أخرى تدعم طول باع الشيخ صالح ففي احدى السنين نزل مطر في المربعانية في نوء الإكليل وكان بجانبه أحد العلماء فقال الشيخ صالح هذا المطر بإذن الله سوف ينبت الفقع فقال: لا هذا في المربعانية لا يمكن أن ينبت الفقع وأصر كل منهما على رأيه ومرت الأيام والشهور وأتي موسم جني الفقع فظهر الفقع وقام الشيخ صالح بإرسال رسالة إلى هذا العالم وحملة بأكياس من الفقع ليثبت له صدق مقالته والشيخ صالح قد ألف رسالة في علم الحرث على حساب الشثور وقام د. محمد الشثري بتحقيقها ونشرها وأتي بمقدمة وتعريف عن الشيخ صالح وجهوده في الدعوة والنشر العلم في الحوطة وقصة الفلكي الشهير العبقري ابن حسين وهو من أهالي الدرعية متواترة قد رواها الشيخ عبد الله بن خميس في كتابه تاريخ اليمامة ج4 وقد أثبت بالبرهان أمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وتلاميذه أنه حاذق بعلم الفلك الزراعي حينما دعاهم إلى مزرعته في أول النهار وآخر النهار عند شجرة تين وضربها أمامهم بفأس فلم ينزل ماء ثم آخر النهار ضربها بالفأس نفسه فنزل الماء وهنا اقتنع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأن ابن حسين ما هو إلا فلكي ماهر في صنعته ووقته في تحديد دخول المواسم والأنواء وأنه ليس متكهنا أو منجما. هذا لمحة موجزة عن علم الفلك الزراعي في الجزيرة العربية.