بين فترة وأخرى نطالع في الصحف المحلية أخباراً وتقارير تتضمن مناشدة ذوي مريض أو مصاب لأهل الخير لمساعدتهم في علاج ابنهم أو عائلهم المريض إما في داخل المملكة أو خارجها. وهي أخبار مؤسفة بالتأكيد، ومصدر هذا الأسى هو انتشار هذه الظاهرة ونحن في بلد أصبح مقصداً لكثير من المرضى للعلاج فيها وهو ما دعا البعض إلى تسميتها بالسياحة العلاجية. حيث أفرزت هذه الظاهرة العديد من التساؤلات من قبل الكثير من المواطنين سواء في تعليقات القراء في موقع الصحف الإلكترونية أو في مواقع ومنتديات أخرى، وهي تساؤلات مشروعة ومنطقية بطبيعة الحال. وقبل الشروع في طرح هذه التساؤلات، نود أن نستحضر سوياً نص المادة (31) من النظام الأساسي للحكم ونصها (تعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن). مع التذكير بأن هذا النظام هو دستور المملكة بالمعنى الفني القانوني البحت. فطبقاً لنص هذه المادة فطبقاً لنص هذه المادة فإن لكل مواطن حقاً طبيعياً ومكتسباً في تلقي العلاج والرعاية الصحية، والذي يعتبر بمثابة الواجب الملقى على عاتق الدولة، لذا هل ممارسة هذا الحق أو التمتع به يتطلب تدخل أعلى المسؤولين في الدولة، وهل لابد من نشر معاناة كل مواطن في أي وسيلة إعلامية حتى يتلقى العلاج داخل وطنه، وهل كل مواطن يستطيع أن يوصل معاناته للإعلام. ولماذا يسارع المسؤولون في وزارة الصحة والمستشفيات بالظهور الإعلامي وإلتقاط الصور بعد استقبال مرضى قادمين من خارج المملكة في حين أن هناك الكثيرين داخلها ينتظرون الفرج في واسطة أو شفاعة لتلقي العلاج أو مساعدة أهل الخير والإحسان. ألا نقرأ ونسمع ونشاهد بشكل يومي معاناة الكثير من المواطنين من عدم تمكنهم من الحصول على حقهم الطبيعي في تلقي العلاج في أحد المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، لماذا يلجأ الكثير منهم إلى خطابات الاستدعاء والالتماس (وغيرها) إلى أعلى المستويات في الدولة من أجل الحصول على سرير في أحد المستشفيات الحكومية، ولماذا ترفض بعض المستشفيات الحكومية استقبال سيارات الهلال الأحمر في الحالات الطارئة تحت ذرائع عدة، ولماذا ولماذا؟ يكاد يجمع الرأي العام لدينا على أن الخدمات الصحية في المملكة تعاني الكثير والكثير من ترديها، فلكل شخص منا لديه دليل أو قصة تثبت ذلك، رغم محاولة المسؤولين في وزارة الصحة والجهات الحكومية الأخرى والتي تقدم خدمات صحية بالتركيز فقط على الإنجازات الطبية التي تتحقق لدينا مثل عمليات فصل التوائم السياميين، وهي بلا شك إنجازات نفتخر بها، إلا أنها لن ترجح كفة الميزان في مقابل التردي الواضح في مستوى الخدمات الصحية بشكلها العام وفي جميع مناطق المملكة، وحتى لا نغالي في الطرح نضرب مثلاً على ذلك ما حدث من المكاشفة والشفافية التي حدثت أثناء مناقشة مجلس الشورى للتقرير السنوي لوزارة الصحة في جلسة المجلس بتاريخ 5 رجب 1429ه، حيث وجه الكثير من أعضاء مجلس الشورى انتقادات شديدة لأداء وزارة الصحة، ورفض بعضهم زيادة المخصصات المالية لوزارة الصحة ما لم تقدم توضيحات دقيقة حول ميزانية الوزارة, بل إن عضو المجلس الدكتور عبدالله الطويرقي قد طالب صراحة بإقالة وزير الصحة "السابق" الدكتور حمد المانع ، لعجز إدارته عن تطوير الأداء خلال مدة عملها التي تجاوزت ست سنوات، وأنها لم تفلح في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للصحة والتي رصد لها مبلغ 25 مليار ريال وذلك قبل سنة من تولي الوزير منصبه. (موقع العربية نت 7 /7/1429) وقد مرّ أكثر من سنتين من هذه المناقشة ولم يجد شئياً يغير واقع الحال. ونضرب مثلاً آخر وهو ما قامت به الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان قد رصدت في وقت سابق من (12) ملاحظة قدمتها لوزارة الصحة (وهي برأيي تكفي لإثبات الواقع السيئ والمحزن لدينا) وهذه الملاحظات هي: عدم توزيع الخدمات الصحية بشكل متوازن على مناطق المملكة. معاناة المرضى وذويهم من التنقل إلى المدن الرئيسية للحصول على العلاج. وجوب اتخاذ إجراءات فعالة للحد من الأخطاء الطبية. نقص الأدوية في صيدليات المستشفيات واضطرار بعض المواطنين لتأمين هذه الأودية على حسابهم الخاص. عدم فتح مراكز أبحاث متخصصة في بعض المناطق التي تكثر فيها بعض الأمراض الوبائية. الطلب من أقارب المرضى التنسيق والبحث عن أسرة شاغرة من أجل ضمان تحويل ذويهم إليها. ضعف الكادر التمريضي في المستشفيات وانعكاس ذلك على خدمة المرضى. ضعف الإمكانات المتوفرة في المراكز الصحية داخل الأحياء والقرى. طول مدد المواعيد الطبية المعطاة للمرضى لمراجعة العيادات. ضعف أقسام الطوارئ في المستشفيات. ضعف الكوادر البشرية الطبية في أغلب المستوصفات والمستشفيات وعلى وجه الخصوص في المناطق النائية. ضعف الخدمات الصحية المقدمة للسجناء وخاصة مرضى الايدز والمرضى النفسيين. ولا اعتقد أن أحد من المسؤولين وخاصة في وزارة الصحة يستطيع إنكاره الملاحظات السابقة أو تجاهلها، وإن فعل فالمصيبة أعظم. فما هو الحل إذا؟ الحل يكمن في البدء وقبل أي شئ باستشعار الأمانة الذي فرضها الله على هؤلاء المسؤولين، والاعتراف بتردي الخدمات الصحية ومن ثم العمل وعلى جناح السرعة بإيجاد حلول فاعلة على المدى القصير وإيجاد إستراتيجية عملية لتطوير هذه الخدمات، وليس إستراتيجية على الورق كسابقتها، فنحتاج إلى ثورة صحية إن جاز التعبير للنهوض في مستوى الرعاية الصحية في المملكة. * باحث قانوني