يجتمع في الرابع عشر من يونيو 2010 وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية في لكسمبورغ من أجل عقد اجتماعهم الوزاري السنوي المعتاد. وستكون هذه هي المرة الأولى التي تجتمع فيها الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، لايدي كاثرين آشتون، بنظرائها في مجلس التعاون الخليجي من أجل مناقشة تفاصيل العلاقة بين المنطقتيْن. وبما أن هذا الاجتماع يتزامن والذكرى العشرين لدخول اتفاقية التعاون الأوروبية - الخليجية حيز التنفيذ عام 1989، سيستغل المجلس الوزاري هذه المناسبة لتعزيز مبادرات عدة اتخذها الطرفان مؤخراً بهدف الارتقاء بالعلاقات الأوروبية - الخليجية لتصبح أكثر دينامية وفعالية. ويقول بابلو برافو لوزانو سفير اسبانيا لدى المملكة انه وبالنظر إلى آخر التطورات على الساحة الدولية، يعتبر الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي منظمتيْن على قدر من الأهمية في مواجهة تحديات الوقت الراهن. وأصبح الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة و495 مليون نسمة وينتج ربع إجمالي الناتج المحلي في العالم، المنظمة الإقليمية الأنجح. فقد حققت ازدهاراً غير مسبوق في قارة مزقتها الحروب والنزاعات في ما مضى. ويعتبر الاتحاد أيضاً فعالاً جداً في إدارة مجموعة من الأدوات السياسية الجوهرية لمواجهة عدد من التحديات القائمة أو الناشئة على المستوى العالمي. فالاتحاد هو أكبر مزود للمساعدة والتنمية التقنية (49 مليار يورو عام 2009) وهو مساهم ناشط في العلاقات المتعددة الأطراف وإدارة الأزمات والنزاعات. ورسَّخ الاتحاد رغبته في ممارسة تأثير أكبر على المسائل العالمية مع دخول معاهدة لشبونة حيز التنفيذ في ديسمبر 2009، وذلك عن طريق تعزيز عملية صناعة القرار وتعزيز سياسته الخارجية. وبرهن الاتحاد في الواقع أنه بعيد كل البعد عن البيروقراطية الكبرى والجامدة، بل أثبت أنه يتمتع بقدرة كبيرة على التكيف مع التقلبات في المناخ الدولي. ويبدو بالتالي أن الاتحاد، بطبيعته ككيان فعّال على الساحة الدولية ورسالته للارتقاء بالمساعي الدولية لمواجهة التحديات العالمية، شريكاً ممتازاً لدول مجلس التعاون الخليجي. في الإطار نفسه، أُسِّس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 كمنظمة تملك قدرة عملية متزايدة وقد ساهم في رفاه شعبه وعمل من أجل إرساء السلام والأمن في دول الجوار. وباتت عملية الاندماج الاقتصادي التي نفذها نموذجاً يُحتذى به لأسواق الشرق الأوسط المتذبذبة. وبالإضافة إلى دورها في أسواق الطاقة العالمية، باتت دول المجلس رائدة في تحرير الاقتصاد والاستثمارات الأجنبية في المنطقة. علاوةً على ذلك، بدأت دول المجلس تعزز دورها في مسائل الأمن الإقليمي كما برز جلياً من خلال مبادرة الملك عبد الله من أجل فض النزاع العربي الإسرائيلي، ومن خلال دورها البنّاء في إخماد نار الفتنة في لبنان، وسعيها لإرساء الاستقرار في أفغانستان. وباتت الدبلوماسية الخليجية اليوم لاعباً أساسياً على الساحة الإقليمية والدولية، ولا شك في أن هذا التطور يصب في مصلحة أوروبا. بشكل عام، تعتبر العلاقات الأوروبية - الخليجية اليوم أكثر حيوية على الصعيد الاقتصادي وأكثر أهمية في توطيد استقرار المنطقة. وينعكس ذلك في التزام الطرفيْن مؤخراً بإعطاء هذه العلاقة ما تستحقه من أهمية فاتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي أصبحت قريبة المنال على الرغم من أن إبرام هذه الاتفاقية بين الجانبيْن لا يزال بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود الصادقة. إن من شأن هذه الاتفاقية أن تعزز الشراكة الاقتصادية بين المنطقتيْن، وتجعل من أوروبا أبرز سوق للصادرات الخليجية. وتجدر الإشارة إلى أن حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بلغ 79 مليار يورو عام 2009 ويتوقع أن تنمو هذه التجارة أكثر في ظل اتفاقية التبادل التجاري الحر. وتكتسب هذه العلاقة الاقتصادية أهمية كبرى مع تركيز المنطقتيْن على مسائل مشتركة كالطاقة البديلة وبالتالي مواجهة التغير المناخي ومشكلات بيئية أخرى، بالإضافة إلى إصلاح السياسات المالية والاقتصادية العالمية وتعزيز نظامٍ دولي يقوم على قوانين شاملة. بالإضافة إلى ذلك، طورت المنطقتان مشاريع عدة وشبكات تبادل في حقل الدبلوماسية العامة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة النظيفة والتعليم وتوسيع الحوار السياسي. ويتوقع أن يوافق المجلس الوزاري على برنامج عمل مشترك يحدد الأولويات والمبادرات المشتركة ليشكل إطار عمل متسق لتنفيذ المشاريع في السنوات المقبلة. لا شك بالتالي في أن الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون يبديان نية واضحة للارتقاء بالعلاقات إلى مستوى استراتيجي أعلى. وبالتزامن مع تطور العولمة التي تجعل من العالم قرية صغيرة، يبرز الاتحاد والمجلس ككيانيْن مجاوريْن يتشاركان القيم والمثل نفسها، كما أنهما يدركان الحاجة إلى تعميق التعاون من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والازدهار والأمن والسلام. وتعتبر هذه العوامل محفزات مهمة تقرر مسار هذه العلاقة بينهما. الجدير بالذكر ان إسبانيا تتولى حالياً رئاسة الاتحاد الأوروبي، والسفير لويجي ناربوني هو رئيس وفد الاتحاد الأوروبي في المملكة العربية السعودية، وكريستيان كوخ مدير الدراسات الدولية في مركز الخليج للأبحاث في دبي.