مجموعة من الأبحاث أجريت في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا عن تأثير مناخ العمل وإنتاجية الموظف في عمله عندما يعمل تحت مدير أو رئيس غير جيد و يُعامل موظفيه بصورةٍ سيئة. جميع الأبحاث طلعت بنتيجة أن الموظف إذا عمل في بيئة عملية مُريحة يكون مُنتجاً ، خاصةً إذا كان المسؤول عن الموظفين ، سواءً كان المدير المباشر أو المدير العام للمصلحة التي يعمل فيها الموظف. ورغم أن هذه النتيجة متوقعة ، إلا أن الأبحاث أكدت هذه النظرية ، بأن المناخ العملي المُريح للموظف يجعله أكثر تركيزاً على عمله بدلاً من التركيز على أمورٍ أخرى ، مثل متى ينتهي العمل ولا يهتم بالإنتاجية فيما لو كان يعمل في مناخ عملي غير مُريح بسبب رئيس الموظف في العمل. اصحاب الشخصيات المريضة لا يصلحون لأن يكونوا مديرين عدم إرتياح الموظف في عمله ، والعمل في مناخ متوتر تجعل الموظف متوتراً وقلقاً وبذلك يقل تركيزه و يُعاني من القلق الذي يؤدي بالتالي إلى عدم إنتاجية جيدة ، وكذلك يُصاب بالقلق والتوتر إلتي قد تجعله يُصاب بالكآبة التي قد تجعله يتغيّب عن العمل بسبب أعراض فسيولوجية يقود لها الاكتئاب. وقالت دراسة للجمعية البريطانية للأخصائيين النفسيين أن القطاع الخاص يخسر سنوياً في بريطانيا ما قيمته 9 مليارات جنيه أسترليني نتيجة الغياب بسبب اضطرابات نفسية مرضية تجعل الموظف يتغيّب عن العمل بسبب هذه الاضطرابات النفسية التي تقود إلى أعراض مرضية جسدية يحصل فيها الموظف على إجازات مرضية من الأطباء العامين الذين يُعاينون الموظفين و يمنحونهم إجازات مرضية بسبب الأمراض والأعراض الجسدية التي في الأساس أصلها نفسي. وكلما زادت الضغوط النفسية على الموظف في عمله كلما زادت أيام الغياب المرضية التي يحصل عليها الموظفي بصورةٍ قانونية و مُبررة ، وهذا يقود إلى الخسائر الكبيرة التي تحدثت عنها الجمعية البريطانية للأخصائيين النفسيين. ضغوط العمل بحد ذاتها ، إذا كان الموظف يعمل في وظيفة تُسبب له ضغوطاً نفسية تجعله يُعاني من مشاكل نفسية ، و إذا رافق هذه الضغوط في العمل ، رئيس غير جيد لا يُقّدر مجهودات العاملين تحت رئاسته وعدم تشجيعه لهم و عدم وجود حوار شفّاف بين الموظفين ومن يرأسهم في العمل فإن الأمور تزداد تعقيداً ويعود ذلك سلباً على العمل والإنتاجية للعاملين في مناخ عملي غير مُريح نفسياً و رئيس غير مُقدّر لظروف موظفيه يُصبح العمل مكاناً وبيئةٍ غير صحية و يتدنى الإنتاج و يكون المناخ العام في المؤسسة أو الإدراة مضطرباً ومكاناً للصراعات التي تقود إلى أن يتغيّر التركيز من تحسين الإنتاجية إلى كيفية يجد العامل أسباباً ومبررات كي يتغيّب عن العمل أو أن يشغل نفسه أثناء العمل بأمور غير الإنتاج. في مثل هذا المناخ ، ينقسم العاملون على أنفسهم وتُصبح الإدارة أو المعمل مكاناً للشللية و الانقسامات و المكائد بين العاملين ، خاصة إذا كان المدير ممن يُشجّع الانقسامات و تفضيل مجموعة على أخرى لأسباب قد تكون شخصية ، وربما استّغل المدير أو الرئيس بعض العاملين لنقل الكلام و ما يحدث في الإدارة إليه شخصياً ، ويُشجّع من ينقولون الكلام و يُعاقب الآخرين ويُضايقهم ، و إذا كان له أهداف آخرى مثل أن يُضايق على العاملين ليوّظف مكانهم أشخاصاً من أقاربه أو من منطقته حتى يضمن الولاء له من قِبل جميع العاملين وبذلك يضمن بألا يوجد من هو في الإدارة من يطمح إلى أن يحل مكانه على رأس المؤسسة. اختيار المدير المناسب والكفء وصاحب الشخصية المتزنة أحد أهم أسباب نجاح المؤسسة تكثُر في دول العالم الثالث مثل هذه الأجواء غير الصحية في العمل بسبب أن المدير أو رئيس المؤسسة أو الإدارة يتم اختياره ليس بناءً على قدرته وكفاءته و إنما لأسباب آخرى مثل أن يكون مُقرباً للمسؤولين في المناصب العليا ، ويأتي على هرم المؤسسة أو الإدراة وهو يعرف بأنه ليس كفوءاً لهذا المنصب ، وعند هذا الحد يبدأ في التضييق على الأشخاص الذين يعتقد بأنهم أكثر منه كفاءةً ، و أعلى درجة علمية و أكثر مناسبةً لتولي المنصب الذي يحتله ، و يحاول أن يجعل من هم أقل شأناً هم المقُربون منه ويعاملهم باحترام أكثر ممن هم أعلى شهادة و اكثر كفاءةً ويحاول أن يُقلل من شأن الذين يعتقد بأنهم غير راضين على أن يكون رئيسهم ، ويجعل الكلمة في مكان العمل لمن يُقرّبهم من الأقل شأناً وهنا تحدث المشاكل ، وتصبح الإدارة أو مكان العمل مسرحاً لصراعات تُشغل الموظفين عن أداء عملهم الذي مُكلفين به إلى تشوّش العاملين وعدم قدرتهم على تنفيذ العمل المكلفين به بصورةٍ غير مقبولة. المدير غير الكفؤ لا يهمه الإنتاجية أو الانضباط في العمل بقدر ما يهمه بقاؤه في منصبه . لا يهمه الإحباط الذي يشعر به العاملون تحت إدارته ولا يهمه سير العمل في المؤسسة التي يرأسها ولا الإنتاجية بقدر ما يهمه إشغال العاملين بالصراعات بين بعضهم البعض ، وهذا يجعله يشعر بالقوة و القدرة على السيطرة على شؤون الإدارة. في كتاب "الدائرة العربية" (The Arab Circle) يروي المؤلف قصة طريفة عن قادة الجيوش العثمانية في أواخر عهد هذه الدولة ، بأن قائد الجيش العثماني الذي كان يُحارب دول الحلفاء ، لم يكن عسكرياً محترفاً ، و إنما ما أوصله إلى هذا المنصب هو أن والدته كانت طباخة الخليفة العثماني! وهذا جعل الضباط العثمانيين المُحترفين يشعرون بالإحباط وبالتالي لم يستطع القائد الذي ليس لديه خبرة عسكرية أن يقود الجيش العثماني أمام جيش الحلفاء الغربيين و الذين كان قادته من العسكريين المحترفين. هذا العامل بالإضافة إلى تفشي ظاهرة الفساد في دوائر الدولة العثمانية ، ومنح الألقاب لمن هم ليسوا أهلاً لها جعلها تصبح دولة ضعيفة و أطُلق عليها " الرجل المريض" كناية عن ضعفها وتفشي الفساد الإداري في دوائر الدولة بوجهٍ عام. إدارة الموظفين علم يتطلّب نوعية خاصة من الشخصيات وما ذُكر عن الدولة العثمانية تكرر في دولٍ آخرى من دول العالم الثالث بشكلٍ ربما أكثر؛ فثمة جنود وضباط صف قاموا بإنقلابات عسكرية و قاموا بترقية أنفسهم إلى رتبٍ عسكرية عُليا ، ووضع على كتفه رتبة الفريق بينما عقليته وكفاءته لا تتجاوز عقلية الرقيب وهذا قاد هذه الدول إلى كوارث عظيمة أنتهى بعضها بأن دمّر هذا الجندي دولته و أوقعها في مشاكل حروب داخلية أو قام بالانقلاب عليه جندي آخر زاد الطين بلة بسوء تصرفاته و تدهورت بذلك إمكانيات هذه الدول التي تولى عروشها أشخاص ليسوا أكفاء . بعض هذه الدول تحول الوضع فيها إلى مشاكل داخلية ؛ فالحروب الأهلية داخل هذه الدول أنهكتها و أصبح العنف السمة التي تُميّز الصراعات داخل هذه الدول ، حيث رأينا في الأفلام رئيس دولة وهو يُقطّع حياً بعد أن تم الإنقلاب عليه وتولى السلطة أشخاص جهلة ، حاقدون ، يملأ نفوسهم الحقد والعصبية. الدول تتدهور عندما يتولاها غير الأكفاء ، المرضى بالحقد، و الذين لا يهمهم مصلحة البلاد بقدر ما يهمهم الحفاظ على السلطة بأي صورةٍ كانت ، مما أدى بهذه الدول أن تُصبح فقيرة بعد أن كانت دولاً غنية . ان المؤسسات و الإدارات الصغيرة أو الكبيرة هي نموذج مُصّغر للدول التي تحدثنا عنها. تولي رئيس أو مدير غير كفوء يُدمّر المؤسسة أو الإدراة مع إختلاف حجم الدمار الذي يلحق بالإدارة. الإدراة أصبحت الآن علم ، وإدارة الموظفين أصبحت أيضاً علم يتطلّب نوعية خاصة من الشخصيات التي لديها القابلية لأن تتعلم كيف يتم إدارة جموع العاملين في مؤسسة أو إدارة صغيرة كانت أم كبيرة. اختيار المدير المناسب والكفء وصاحب الشخصية المتزنة هو أحد أهم أسباب نجاح المؤسسة أو الإدارة. اصحاب الشخصيات المريضة لا يصلحون لأن يكونوا مديرين أو رؤساء حتى لو كانوا يملكون المؤهلات الأخرى ، فالمدير صاحب الشخصية المريضة يقود إلى تردّي الإدارة أو المؤسسة التي يُديرها . من هنا نرى أهمية الرئيس ؛ بدءاً من رئيس دولة إلى رئيس مؤسسة ، وكيفية تأثير الرئيس على من يعملون تحت إدارته وكيف يمكن لشخص أن يرفع المؤسسة التي يُديرها أو يُدمّرها .. إنه شخص لكن القائد هو الذي يرفع و يدمّر في جميع الحالات..!!