الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية أعطى دليلاً قاطعاً على التشنج الذي يعيشه الإعلام العربي والذي اتضح من خلال التغطية الإعلامية للجريمة فمعظم القنوات العربية لم تتعامل مع الحدث كما ينبغي واتخذت من الصراخ والنواح منهجاً لها واستنفرت كل مراسليها في الداخل والخارج ليس من أجل التعليق على الحدث بموضوعية وحرفية بل استخدمت أسلوب الهيجان وإثارة الشعوب العربية التي لا تملك من الأمر شيئاً وذلك عبر استضافة إعلاميين ورجال دين يصرخون ويستنصرون الشعوب العربية باتخاذ موقف حازم وعدم السكوت على ما يجري. وهذا الأسلوب التحريضي كان مع الأسف ديدن أغلب القنوات العربية حتى الاحترافية منها فقناة الجزيرة بما تملكه من حرفية ومهنية مفترضة كان أسلوبها تحريضياً للمشاهد العربي البسيط الذي لا يستطيع أن يغير الواقع المؤلم. واستمرت الجزيرة وعلى مدى ساعات متواصلة وعبر العديد من الضيوف من رجال دين وغيرهم وهي تمارس الضغط النفسي للمشاهد الذي هو أصلاً متأثر من المشاهد التي تنقلها الصور المصاحبة للحدث والتي كانت أكبر شاهد على فداحة الجريمة وعمق المأساة وليس بحاجة إلى صوت يصرخ ويلهج بدعوات الجهاد والثورة. والطريف أن معظم أولئك المداخلين لا يبدو على ملامحهم تأثرهم الكبير من الحدث رغم أصواتهم المرتفعة التي تردد العبارات الرنانة والتي بالتأكيد ستولد معها مأسأة أكبر من المأسأة التي يعلق عليها وهي تلك العمليات الإرهابية التي قد يفكر فيها مجموعة من الشباب المتحمس والمتأثر بهذه الشعارات والعبارات الرنانة التي يطلقها بعض الرموز التي يقتدي بها الشباب. إن دورالإعلام الحقيقي هو مناقشة قضايا الأمة بموضوعية ومهنية مسئولة تلتزم الحذر حتى لا تؤدي بعدها إلى كارثة لا تحمد عقباها.