النص الديني خالدٌ ومؤزل يختزل التشريعات الآلهية والقيم الإنسانية الرفيعة , ولكن تبقى المفاتيح والسبل التي نسعى فيها كبشر لترجمة النص ومقاربته متفاوتة بحسب الأزمنة والعصور ، مع أهمية الاستجابة لجدلية التاريخ وقوانينه والبحث عن القيم الخالدة بداخل النص وتجاوز ركامه الزمني عبر العصور. الرؤى التي جاءت في خطاب خادم الحرمين الشريفين الذي ألقاه نيابة عنه في البرازيل سمو وزير الخارجية ، هي عبارة عن علامات طريق في درب واعد ممهد بالتفاؤل مخصب بشتلات المستقبل ، وهو يأخذ المملكة باتجاه منعطف تاريخي في سياستها الداخلية والخارجية، حيث طموح يحتفى بالانسان كقيمة وكهدف وكمغزى للحياة ... فالمجد للإنسان في الارض . وقد جاء في كلمة خادم الحرمين (انطلاقاً من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ، دين الاعتدال والوسطية والتسامح، فقد انتهجنا في المملكة سياسة نشر ثقافة الحوار والتواصل بين الحضارات والثقافات لتعزيز التعايش والتفاهم وإشاعة القيم الإنسانية كمدخل لإحلال الوئام محل الصدام , وهو ما يساعد على تخفيف حدة التوترات ، ونزع فتيل النزاعات وتحقيق الأمن والسلام المنشودين). بهذه الرؤى يتم تخصيب صحراء ظلت لفترات طويلة مطوقة بالنفور والتوجس من العالم الخارجي , حيث أعملت التصنيفات الأيدلوجية يدها في البنيان الفكري المحلي فتحول إلى غرف متلاصقة لكنها بجدران عالية وحس مستريب من الآخر الذي لايشاركنا نفس الغرفة , بل تحول التصنيف والفهرسة البعيدة عن القيم الإنسانية إلى علم وعمل مؤسساتي تقوم به جهات رسمية وأحيانا أكاديمية تستمد شرعيتها وحضورها من تكفير وتخطئة الآخر. هذه الرؤى التي يحملها هذا القائد التاريخي لابد أن نتلقفها جميعا ونحولها إلى استراتيجية صلبة واضحة المعالم تنتشر وتمد جذورها في أنحاء المكان, ونستنبت في عقول الناشئة وأفئدتهم روحها وتوهجها , فهذا هو درب النجاة الوحيد أمام ثقافة الموت والعنف والكراهية والعنصرية التي اكتوينا بنيرانها . هذه الرؤى تتطلب منا ايضا السعي نحو المزيد من الاحتفاء بالمواطن ووعيه وقدراته عبر إعطائه المزيد من الثقة والحيز في المشاركة بالشأن العام سواء عبر عضوية منتخبة في مجلس الشورى أو في المجالس البلدية , أو عبر اتاحة الفرصة لنشاط مدني منظم وشفاف لمؤسسات المجتمع المدني, مع التأكيد (كما جاء نصاً في الكلمة) على ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان ونشر ثقافة حقوقه بين مختلف قطاعات المجتمع . وكعادته أطال الله في عمره لم يغفل بناته فبعيدا عن جميع التحيز العنصري أعلن المرأة شريكا أساسيا في المسيرة الحضارية من خلال اعتماد البرامج والمشاريع الساعية للنهوض بها وتمكينها من المشاركة الفاعلة في جميع مجالات الحياة . حقول الكلمة شاسعة ووارفة لن نستطيع الإلمام بجميع نواحيها ، لكن كم هي فرصة نادرة وثمينة أن نتشارك نحن وهذا القبطان التاريخي ... سفينة واحدة..