ربما كانت هي المرة الأولى في تاريخ منتدى الاثنينية بجدة التي تشهد تكريم أب وابنته بفارق زمني بينهما يمتد إلى ما يزيد عن ال(21) عامًا بشهر وسبعة أيام، ففي يوم 22 ربيع الآخر 1410ه الموافق 20 نوفمبر 1989م اعتلى منصة التكريم في هذا المنتدى الأديب المعاصر عبدالله بن خميس، لتجيء ابنته لتكرم يوم أمس الأول 21 محرم 1432ه الموافق 27 ديسمبر 2010م، في أمسية تبارى المشاركون فيها إلى قراءة منجز الأديبة أميمة، وما قدمته للساحة من روايات في وقت أصبحت فيه الرواية النسائية متميزة بالحضور الكثيف، ومتناوشة بالنقد العنيف.. مؤسس الاثنينية عبدالمقصود خوجة استهل الأمسية لاستذكار نبوءة الروائي الراحل الطيب صالح قبل حوالى ثلاثة عقود مضت بأن الرواية السعودية ستكتبها المرأة، مبينًا أنه كان يدرك بحدسه الروائي أن ثمة مخاضًا سينجب جيلاً كاملاً وناجزًا من الروائيات السعوديات اللواتي جهرن بأصواتهن، ومنهن ضيفتنا أميمة خميس التي اختارت القصة والرواية نافذة تطل من خلالها على العالم، وجسرًا للتواصل مع الآخر.. ماضيًا إلى القول: يبدو أنها امتداد لحكايات اندمجت فيها أبان طفولتها.. ثم استمرأت المسير في ظلالها لتشب معها وتحبكها قصصًا ذات مغزى حتى وإن كانت للأطفال.. فالمضمون لديها لا يقل أهمية عن تقنية النص وجماليات اللغة، تبث فيها لواعجها وهمومها، بحيث لا تقع في فخ الأسلوب المباشر، الذي يدعو إلى تفسير روايتها وكأنها اسقاطات واقعية، فالرواية عندها ليست بوقًا زاعقًا ضاجًا بالشكوى والنقد، على حساب جماليات النص، لأنها ترى أن فعل الجمال بحد ذاته تنويري. ويمضي الخوجة في حديثه مستعرضًا سمات منجز الأديبة أميمة مضيفًا: إن المتتبع لتطور فن القصة لديها بدءًا من مجموعتها «أين يذهب هذا الضوء 1418ه- 1996م» مرورًا ب»البحريات 1428ه– 2006م»، ثم «الوارفة 1432ه– 2010م» التي ترشحت لجائزة البوكر العالمية في الرواية.. يجد أن رؤاها وأفكارها ينابيع ذات عمق ودلالات لا تخطئها العين، وليس هناك فوارق تذكر بين أعمالها عبر هذه المساحة الزمنية مما يؤكد اختمار قاموسها الخاص وتشبعه بما يؤهلها لخوض التجربة في عنفوان النضج. ومن خلال اطلاعنا على بعض رواياتها، نجد أن فضاء الهوية بكل تعقيداته وإفساحه، يشكل لديها جدليتين في خاصرة زمان صيرورته هما: ما كنّاه وما ينبغي أن نكون، فهي بهذين البعدين تحتفي بالأصيل الحميم من تراثنا، وفي ذات الوقت تؤميء برفق وحصافة إلى ضرورة الانفتاح والمواكبة، وهو ما يظهر لي من خلال متابعة بعض كتاباتها في الصحف اليومية. ويختتم عبدالمقصود حديثه بالإشارة إلى أن البيئة تشكل عنصرًا شديد التوهج لدى الخميس، مبينًا أن إبداعاتها لا تنفك تسطر مفردات مفعمة ببيئتها الصحراوية، ليكتشف القارئ من خلالها أن الصحراء ليست مجرد رمال تلهو بها الرياح.. إنها حياة مكتملة الحلقات، تزهو بالمطر، والربيع، والفراشات، والزهور، والحيوانات.. وعندما تلوب هذه الكائنات في حياة الطفل فإنها تكون ناطقة، ضاحكة، باكية، متسربلة بمختلف الأحاسيس، فيغوص معها الصغار في أجواء حميمة ويتفاعلون معها بألفة شديدة.. وفي هذا الإطار تبث ضيفتنا رسالتها بكثير من الذكاء والخبرة التي اكتسبتها عبر مسيرتها في حقل التربية والتعليم. مفازات الغربة الأنثوية كذلك قدمت الدكتورة فاطمة إلياس شهادتها في حق أميمة بقولها: من الظلم أن تلخص سيرة أميمة بكل إضاءاتها ومجدها الإبداعي في كلمات تلقى كتقليد احتفائي، فمن أراد أن يعرف لماذا تربعت أميمة الخميس على عرش قلوبنا وتخوم عقولنا قبل أن تجلس أمامكم اليوم، فليقرأ روايتها «البحريات» التي عبرت بها مفازات الغربة الأنثوية، وعرت فيها ضحالة المكان حين تتصحر فراشاته، وتزرع حدوده بألغام الصلف والانغلاق. وليقرأ «الوارفة» هديته الثانية لكل أنثى جامحة تطمح لكتابة ملحمتها على مدارج الكفاح والنجاح وسط غابة شائكة من الاحترازات والمستحيلات. ماضية إلى القول: أميمة لم تتطفل على صيت والدها الأدبي والاجتماعي، وتتوسل الشهرة أو تتجرأ على الكتابة كما فعل غيرها بحجة أن ابن الوز عوّام، بينما لم تتعد حدود شخبطاتهم «البلبطة» في بحور السرد والشعر. كل ما فعلته أميمة منذ طفولتها أنها استغلت تلك البيئة التي توفرت لها في المنزل والتي وصفتها في تصريح لها حول تجربتها» البيئة المستحثة على القراءة هي المنزل. تنقل بين الذاكرة والمخيلة أما الدكتور سحمي الهاجري فيرى أن روايتها «الوارفة» جاءت دلالة إضافية على أن أميمة الخميس مبدعة حقيقية، تجيد التنقل بين الذاكرة والمخيلة، في لغة أدبية راقية، وبسلاسة سردية لا تخطئها عين القارئ الخبير، ويستشعر جمالياتها حتى القارئ العادي، ولهذا رشحت من روايات النخبة في قائمة البوكر الدولية للرواية العربية في العام الماضي، وشخصية الدكتورة الجوهرة والطبيب الإعرابي من الشخصيات المعبرة والفارقة في الرواية السعودية، شخصت الكاتبة من خلالها وضع المرأة العاملة ودخولها في خضم الحياة بمفردها تقريبًا، بعد أن فقدت في سبيل تحررها النسبي دعم العصبة أو الأسرة المترابطة فواجهت الحياة وصار عليها أن تتدبر أمورها، وأن تقوم مثلا باستتبات رجلها بنفسها، من شخصية أي شريك محتمل، وهو الدور الذي كانت تؤمنه الأسرة الكبيرة في الماضي. احترام القارئ الأديبة انتصار العقيل آثرت في مستهل حديثها أن ترسم صورة واقع الرواية السعودية وموقع أميمة الخميس في هذا الخضم مشيرة إلى أن الآونة الأخيرة شهدت تشوّهًا للأدب السعودي وخاصة النسائي تحت شعار كشف المستور وخرق المحظور وكسر الدستور، مبينة أن ذلك انتهى بنا إلى «حالة من الفحش اللاأدبي»، مستثنية الروائية الخميس من ذلك مبينة أنها نموذج للمرأة السعودية في كفاحها، وإصرارها وإثباتها لذاتها، بالفكر الراقي المحترم المشرف لها ولكل من يقرؤها، مؤكدة أنها لم تجد في منجز أميمة كلمة واحدة تخدش الحياء، مما يعضد فكرة احترامها للقارئ. المحتفى بها رسمت لوحة حب لمدينة جدة في كلمتها قائلة: كم نستتاب عن هوى جدة، ولكن لا نتوب، وتظل الأفئدة إليها تؤوب، لعلها روح أمنا الكبرى تخفق في جنباتها، بوصلتنا التي تشير دومًا إلى سر الأبدية والخلود، وتظل تستنطق دائمًا في الأماكن روح الخلق والحياة والإبداع، ذلك الإبداع الذي يتجلى في صور شتى في مدينة جدة، وهي تروض الاستبداد بترياق الفكر، وهي تنازل الحادية بخميلة من قوس قزح الأعراف والجناس، وهي تستنبت الآداب والفنون لتنهض في وجه التصحر والرمال، وبين نجد والحجاز هناك درب،.. مضيفة: الفعل الثقافي برأيي ليس فعل ترف، وليس فعلاً نمارسه في هامش الوقت أو الزمان أو المكان، الأممالمتحدة مؤخرًا، ضمن مدونة حقوق الإنسان جعلت من الثقافة حقًّا موازيًا لحق الإنسان في الحرية، من حقه في التعليم، لحقه في الصحة، الثقافة أصبحت أحد اشتراطات وضرورات الكرامة الإنسانية، لأنها من خلال الثقافة وحدها نسمو ونرتفع عن كل ما هو متوحش وبدائي بداخلنا، وعبر الثقافة ننشئ هيكلاً باذخا من أجل ما في الحياة. أعقبت ذلك العديد من المداخلات والأسئلة، حيث أجابت الخميس على سؤال حول الحد الفاصل بين أحداث رواياتها والواقع المجتمعي وموقفها من الرواية عمومًا بقولها: المجتمع هو مادتنا الخام، وهو الينبوع الأول الذي نستقي منه، فيكون بين يدي الكاتب كالصلصال البدائي، فهنا تدخل دور الصنعة على مستوى صياغة الشخصيات، على مستوى الحبكة، وعلى مستوى الأحداث، جميعا نحاول أن نرقى بها من اليوم المعتاد إلى المستوى الفني، والأدبي، وطبعا يظل المجتمع هو المنبع والمصب الذي يمنح للعمل الأدبي، مصداقيته وزخمه. ورغم ذلك لا نستطيع أن نقول إن الرواية منجز تغييري بفحواها الفكري أو الفلسفي أو الثقافي، هي منجز تغييري من خلال الفعل الجمالي المستشرف للمستقبل، يرفض التقليدي والعادي، بطرق جديدة ومختلفة، وبالتالي من هنا يطرق بوابة المستقبل، والرواية متطلباتها كثيرة، على مستوى العمق الفلسفي، على مستوى الحبكة، وجودتها وتماسكها وتكاملها الأدبي هو وحده الطريق الذي يقودها إلى المستقبل، وبالتالي تصبح فعلاً تنويريًّا. وعزت الخميس ضعف الإقبال على الرواية السعودية وخاصة النسائية إلى قصر عمر الرواية السعودية، مضيفة: لم تبدأ الرواية إلا بأسماء محدودة، والطفرة الروائية الأخيرة ظهرت في عام 2006، فبالتالي لم تكون لها أرضية واضحة من الجماهير التي تنتظر هذا العمل وتتقبله، الأمر الآخر أنه رافق هذه الرواية نوع من الأعمال الهشة الفضائحية، وبالتالي لم تكن تحرص كل أسرة السعودية على اقتناء هذا النوع من الروايات، كذلك هناك شيء لابد من الإشارة إليه وهو أن الكتاب السعودي يعاني من أزمة توزيع وطباعة ونشر، في ظل غياب هيئة عامة للكتاب السعودي، فسيظل الكتاب السعودي أسيرًا لمافيا نشر عربية فيما يتعلق بالطباعة والنشر والتوزيع، فأرجو من وزارة الثقافة أن تلتفت وبصورة جيدة إلى هذه الناحية، لأنه بصناعة الكتاب أصبحت صناعة مثل صناعة السيارات وصناعة السينما، تحتاج إلى دعاية وإعلام تخدم الكتاب في منافذ التوزيع، وهذه الخدمات مغيبة عن الكتاب السعودي، مما جعل حاجزًا بينه وبين متلقيه. واقع موجع وحول أدب الطفل وتجربتها في هذا المجال تقول الخميس: لعل السبب الأول في دخولي إلى هذا المجال هو علاقتي مع أطفالي، هم الذين كانوا يملون عليَّ القصص، أنا فقط أدوّن، لكن في حقول مخيلتهم الشاسعة والمبدعة وجدت منجمًا وعروق ذهب، وجدت أنها لابد أن تدوّن، بالإضافة إلى أن هناك شحًّا كبيرًا في الأدب الموجه للطفل، بل أيضًا غياب المهنية الحقيقة التي تتعامل مع أدب الطفل، يعني مقارنة بما ينتج لأدب الطفل في العالم العربي وما ينتج في العالم المتقدم الذي يرى في أدب الطفل هناك أهمية كبيرة، نجد أن هناك ضمورًا في الأدب الموجه للطفل، وهذا بالفعل نوع من التخلف الحضاري عندما نغير أدب الطفل، أنه جزء وفترة مهمة من حياته، ليس فقط ما يتعلق بالأدب السردي أو الخيالي، ولكن أيضًا كلما يتعلق بالعلم، والكتب المشوقة والمدهشة للطفل، لذلك نجد عزوفًا من الطفل العربي عن القراءة، و في إحصائية أخيرة توجع القلب تفيد أن الطفل العربي لا يقرأ إلا بمعدل ست دقائق في العام، فهذا يشير إلى حالة طارئة، حالة أن الأمة في خطر فيما يتعلق بالقراءة. سيرة ذاتية الاسم: أميمة عبدالله محمد الخميس مكان الميلاد: مدينة الرياض بكالوريوس لغة عربية: جامعة الملك سعود 1989م دبلوم لغة إنجليزية: جامعة واشنطن 1992م. المسمى الوظيفي: مدير إدارة الإعلام التربوي في وزارة التربية والتعليم بنات منذ عام 2001 -2010م المؤلفات: 1- والضلع حين استوى - دار الأرض الرياض 1993م قصص قصيرة. 2- مجلس الرجال الكبير - دار الجديد بيروت 1994م قصص قصيرة. 3- أين يذهب هذا الضوء - دار الآداب بيروت 1996م قصص قصيرة. 4- وسمية (قصص للاطفال) 2002م ترجمت للانجليزية. 5- الترياق - دار المدى 2003م قصص قصيرة ترجمت للايطالية ط2/2010م. 6- حكاية قطرة (قصة للاطفال) 2005م. 7- البحريات - دار المدى 2006م طبعت ثلاث مرات. 8- سلسلة حديقة الطلح قصص اطفال تصدر عن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة) 2008م - صدر منها: عصفور الحنطة 2008م وضحى الفراشة الصحراوية 2009م - بيت صغير في البراري 2010م - تحت الطبع/ سارق اللون - لانك بنت - فراس الاسد الشجاع. - رواية الوارفة 2008م طبعت ثلاث طبعات ورشحت لجائزة بوكر في الرواية العربية. - كتيب ارشادي يوزع للطفل في المتحف الوطني بالرياض وفي مهرجان الجنادية 2006م. النشاط الصحفي: - كتبت زوايا اسبوعية في صحف اليوم/ الرياض/ الخليج/ الجزيرة. - تحرر الآن زاوية ثلاث مرات اسبوعيًا تحت عنوان (منطق الغيم) في جريدة الرياض. - رأست اللجنة النسائية في وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والالعام من 2007 -2010م. - عضو مجلس إدارة اللجنة الوطنية للتوعية بمرض الزهايمر. -نالت جائزة ابها للقصة عام 2001م. - ترجمت اعمالها للغتين الانجليزية والايطالية. - كتب عن تجربتها الادبية الكثير من النقاد العرب والمحليين وتناول التجربة عدد كبير من اطروحات الماجستير والدكتوراة.