كان الغاز يملأ المنطقة الشرقية ويرفع درجة التلوث هناك وكانت جميع محاولات التصدير قد فشلت للغاز المصاحب للنفط، ومما يروى من السخريات المبالغة أن المكوك الأمريكي عندما خرج للفضاء رأى هالة صفراء غازية فوق السعودية.. وكان هناك حلان لمواجهة هذه الأزمة للتخلص من تلوث الغاز المصاحب للنفط إما التصدير أو استخدامه في الصناعة، وكان الحل الأول مستحيلا والثاني في منتهى الصعوبة. استحالة الحل الأول بسبب أن الغاز المصاحب للنفط منخفض الكثافة، ولم تكن التقنية في تلك الفترة تمتلك القدرة للتبريد العالي لتحويله للحالة السائلة وبالتالي يمكن نقله.. أما صعوبة الحل الثاني وهو استخدامه لأغراض صناعية فكانت بسبب تردد الغرب لمنح السعودية التقنية الضرورية لفعل ذلك، وفشلت جميع المحاولات لجذب تلك الشركات.. وفجأة توترت الأوضاع في إيران وبدأ عرش (الشاه) يترنح ليغادر الشاه للخارج بحجة النقاهة، وجاءت طائرة أخرى تقل (الخميني) وبعد أيام أعلن قيام الجمهورية الإسلامية بإيران، ليلي ذلك بفترة قصيرة إعلان صدام حسين بأن اتفاقية الجزائر لاغية مع إيران لتنفجر الحرب الإيرانية العراقية وتقفز أسعار النفط.. وفي تلك الأثناء قدم الملك فهد رحمه الله الضوء الأخضر لوزارة النفط لكي تقترح على كبرى الشركات فكرة هي باختصار: أعطيكم كمية ثابتة محددة من النفط بالمجان مقابل الحصول على التقنية الضرورية لاستخدام الغاز للأغراض الصناعية. وتحقق الهدف وحصلت المملكة على تلك التقنية وإمكانية صناعة اللقيم الأساسي (الاثلين) لجميع الصناعات البتروكميائية، وبدأ ذلك المولود الجديد في عالم الصناعة البتروكميائية (سابك) ينمو بسرعة الجد والرغبة بأن يكون لها موقع بين كبرى الشركات مثل (بساف) و(بتروكميكال) و(لندسل) لترسم قصة النجاح، نمت ورسمت فروعا لها حول العالم من الولاياتالمتحدة إلى الصين، ولا ننسى أن سابك حصلت على دعم عبر حصولها على الغاز الرخيص بأسعار منخفضة، ولكن ذلك فقط لا يبرر النجاح (فليست جميع المؤسسات المدعومة من الحكومة ناجحة) قصة النجاح باختصار (بغض النظر عن القوائم المالية الرائعة وهي ذات تصنيف ائتماني عال) هي في الكوادر البشرية. يروي لي صديق - وكان قد تدرب في سابك - عن نوع العلاقة بين الموظفين والرئيس والمرؤوس وأن جميع العمال والموظفين والمسؤولين إلى المسؤول الأول في ذلك الموقع يتناولون وجبة الطعام معاً ويتبادلون الاحاديث بدون أي فوارق لا في المركز أو الدرجة العلمية في جو يوضح خلو الموظفين من أي ظلم، وهذه الشركة أصبحت هي أسرتهم ولبّت طموحهم واصطحبتهم من أقصى أقاليم السعودية ليكونوا مسؤولين وقبل ذلك خريجي كبرى الجامعات، هذه باختصار هي قصة النجاح. بعكس من ينظر للكثير من مؤسساتنا الأخرى وضعف ولاء الموظفين بها لأسباب حرمانه من الترقية وعدم إحساسه بالنمو، والسبب البيروقراطية والتعنت الإداري وضعف الرواتب وقناعة الكثير للأسف من المسؤولين أن الموظف مثل قطعة الغيار يمكن استبدالها في أي لحظة، ولم ينضج ذلك المسؤول ليعلم أن الموظف هو أصل المؤسسة الحقيقية، بالإضافة للكثير من المنغصات الأخرى، لمَ لا تدرس حالة سابك لتفهم لمن لم يفهم قيمة الموظف السعودي.. رحم الله الملك فهد الذي جمع ذلك الغاز ليبني لنا ذلك الصرح.